عبادة الفرد

مصطفى أمين

عبادة الفرد هي كفر بالشعب. فإذا أردت أن تبني ديكتاتوراً فيجب أن تهدم أمة! ولكي تطول قامة الحاكم الفرد يجب أن تقصر قامة كل فرد من الشعب، أما أن ينكس رأسه، أو يحني جسمه، أو يركع، أو يسجد.. فإذا لم تنخفض قامته بعد كل هذا فلابد من قطع رأسه!

وفي ظل حكم الفرد تتضاءل الناس لتعيش، وتنكمش لتجد لنفسها مكاناً في البلد، وتخرس صوتها ليتكلم وحده، وتعطل عقولها لتحتمله، وتخاف ليطمئن على حكمه، وفي ظل حكم الفرد يتوقف الانطلاق، وينعدم الإبداع، ويختفي الابتكار، ويسقط الفن، وتتحول الكتب إلى هتافات، والحوار إلى تصفيق.. وتخلو المعامل من العلماء وتمتلئ الشوارع بالمواكب!

فعصور الإرهاب والاستبداد والطغيان هي عصور الانحطاط الفكري، فلا يستطيع عالم أن يتفرغ إلى العلم وهو غير آمن على نفسه، تزعجه كل طرقة على الباب، يفقد حرية الحركة، يفقد حرية التعبير، والإنسان إذا عجز عن الحركة والتعبير عجز عن التفكير!

ولهذا نرى أن أعظم علماء العالم تألقوا عندما هربوا من الإرهاب إلى الحرية، فإن العالم أينشتين مثلاً لم يستطع أن يعيش في ظل الجستابو، وهرب من ألمانيا إلى الولايات المتحدة، ومعه عدد كبير من العلماء الذين استطاعوا في مجتمع حر أن يصلوا إلى القنبلة الذرية.

وفي إسبانيا مثلاً هرب أعظم الأدباء والمؤلفين إلى أمريكا الجنوبية، بعد أن عاشوا سنوات أجدبوا فيها، لأن القلم لا يتحرك بسهولة في الأيدي المقيدة بالأغلال. وفي عهود حكم الفرد يتحول البلد كله إلى سجن كبير.. فأنت تمشي في الشارع وكأنك داخل زنزانة! وأنت تجلس في عملك وكأنك مقيد بالأغلال، وأنت قلق خائف، والخائف لا يبدع فأول شروط الإبداع والخلق هو الأمان، لقد استطاع عدد قليل من الناس أن يكتبوا وهم في داخل السجن، ولكن الأغلبية لم تكتب. إن الكاتب الكبير محمد توفيق دياب بقي ستة أشهر في السجن ولم يستطع أن يكتب حرفاً، وعباس العقاد لم يستطع أن يكتب كلمة واحدة، في خلال تسعة أشهر أمضاها مسجوناً في سجن قره ميدان.. ومحمد التابعي مكث أربعة شهور في السجن ولم يكتب مقالاً واحداً. والرسام المعروف محمد عبد المنعم رخا مكث في السجن أربع سنوات ولم يرسم صورة كاريكاتورية واحدة.

ما أتعس الذين تسجن أفكارهم بين القضبان!