لقد اكتشفت يا حبيبتي من هو ثرثار أكثر منك بكثير

لقد اكتشفت يا حبيبتي

من هو ثرثار أكثر منك بكثير

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

عندما تتم المقارنة بين الرجل والمرأة ذهب المختصون في مجال علم الإجتماع أن المرأة تتفوق على الرجل بمقدار اثنان ونصف في مجال الثرثرة

تعرفين ياحبيبتي بما أنك ثرثارة وهذا طبع النساء ولكن ثرثرتك تكون في كثير من الأحيان مقبولة جداً وذات نفع , وتكون في كثير من الحالات جميلة جداً فالمرأة بدون ثرثرة لطيفة تصدر من عندها , تصبح كقطعة خزفية موضوعة على أحد الرفوف للزينة

فقالت لي يعني أنا ثرثارة جداً , وأعقبت بدلال وغنج امرأة جميلة ,ولكن أنا ابقى جميلة الثرثرة جميلة الطلعة عذبة الكلام , فهل عندك اعتراض على ذلك؟

فقلت لها وكيف لي أن أقول عكس هذا , فلو قلت ذلك لكنت زممت نفسي قبلك ولكان هذا يعبر عن ذوق قد سقط منذ زمن طويل , بالفعل أنت الأجمل والأعذب صوتا بين كل النساء , ولكن ليس هذا المهم , المهم هو الآن ....هل تسألينني لماذا تحدثت عن ثرثرة امرأة في هذا الوقت , مع أن الأمر محسوم منذ زمن بعيد في أن المرأة لسانها متحرك دائماً ولا يهدأ وليس عنده راحة أبداً ؟

فقالت لي برقتها المعهودة مالذي يشغل عقلك ياحبيبي , أو قلبك لعلك وجدت امرأة أخرى تفوقت علي في سحر ثرثرتها فشغلت عقلك وقلبك , وضحكت ضحكة خفيفة تعبر عن قلق حط بداخلها لعل التهمة تكون صحيحة

لم أعلق على كلامها ولم أنبث ببنت شفة , وبحركة لاشعورية أخرجت ورقة مطوية  من جيبي وأردت فتحها , ولكنها انتزعتها مني بشكل مفاجيء وذهبت بعيداً لعلها تجد فيها المستور حسب شكوك أي امرأة في زوجها

لم يكن مكتوباً في الورقة إلا عبارتين كنت قد نقلتها من كتاب يتحدث عن الطاغية , وهاتين العبارتين كانت واحدة لآرسطو يقول فيها(لايوجد رجل حر قادر على تحمل مثل هذا الضرب من الحكم , إذا كان في استطاعته أن يهرب منه ) أي حكم الطاغي المستبد , والعبارة الثانية كانت لافلاطون يقول فيها (إذا ذاق المرء قطعة من لحم الإنسان تحول إلى ذئب , ومن يقتل الناس ظلماً وعدوانا, ويذق بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم ويقتلهم , فمن المحتم أن ينتهي به الأمر أن يصبح طاغية ويتحول إلى ذئب )

رمت الورقة علي بغضب وقالت أنا سأعد قهوة فهل تريد ؟

قلت لها احسبي حسابي معك سنشرب القهوة سوية ونكمل حديثنا عن الثرثرة

وضعت فنجان القهوة أمامي عندما وجدتني أكتب بعض التعليقات على صفحات الثورة السورية على الفيس بوك , وصوت الرسائل المتلاحقة يعكر الهدوء في تلك اللحظة , ولكن التفت إليها مع ابتسامة وكلمة شكر على القهوة , مع نفس عميق من سيجارة وأتبعتها برشفة من القهوة , ومن ثم قلت لها تعرفين ياحبيبتي وجدت من هو أثرثر من النساء جميعاً وحتى منك أنت

فنظرت إلي بغرابة وعينان مفتوحتان على الآخر وقالت من المستحيل !!!!

فقلت لها طيب سأثبت لك ذلك فوراً

واحد , تعرفين أن عدد المجموعات الخاصة بالثورة السورية والتي أنا مشترك فيها جميعا كم هو عددها ؟

قالت لا , قلت لها فوق الألف مجموعة , قالت وماذا يعني ذلك ؟ قلت يعني أنني لو نشرت منشوراً واحداً يجب أن ينشر في كل المجموعات , والأشخاص نفسهم مكررين في معظم المجموعات , يعني ذلك أن نفس المشاركة ستصل لنفس الشخص بنفس الشكل ألف مرة , فهل وجدت ثرثرة أعظم من هذه , فهي ليست ثرثرة وإنما تكرار وتكرار وتكرار , فلو قلتي لشخص ألف مرة بشكل مستمر مجنون لتحول مجنوناً بالفعل

والثاني: والثرثرة المقيتة أيضا وتضاعف المعنى أن هذه الصفحات أصبحت في معظم المشاركين فيها مركزاً دعائيا لفكر الأشخاص والأحزاب والتكتلات وكل واحد منهم يرسم سورية المستقبل على مزاجه ويلغي الآخرين , فهذا يريدها خلافة اسلامية وهو جالس في بيته يطلب من الآخرين انقلاباً ليحكم هو باسم الخلافة , والثاني يريد حصة كبيرة من الدولة ينعزل عن الوطن الأم , والثالث يطلب دولة علمانية يفصل فيها الدين عن الدولة , والآخر يقول الحل عندي بعد سقوط النظام , فأصبحت هذه الصفحات تضم ثرثرات العالم منذ الخليقة وحتى الآن , والذئب في مكانه يلتهم لحوم الأبرياء

فكم هي جميلة ثرثرتك ياحبيبتي فإن لم تنفع فهي لم تضر وتبقى في معظمها جميلة على قلب الحبيب , أما تلك الثرثرة والتي اكتشفتها ممجة مرة ليس لها لون إلا لون المتهافتين على على سراب يحسبه الظمآن ماءاً.