قطوف وخواطر

أرقامها من 601 إلى 620

عبد المنعم مصطفى حليمة

"أبو بصير الطرطوسي"

www.abubaseer.bizland.com

[email protected]

601- شَرطُ الاستخلافِ والتمكين..

للاستخلاف في الأرض شرطان: أولهما الارتفاع ـ ظاهِراً وباطناً ـ إلى مستوى قيم ومبادئ الإسلام كله من غير تبعيضٍ لبعضٍ منه دون بعض، ولا إهمال لأي جزئية من جزئياته. ثانيهما؛ الأمانة والقدرة على رعاية الأرض كل الأرض من غير تبعيضٍ لشيء منها دون شيء؛ البر، والبحر، والجو .. وكل من عليها .. وما علاها .. وما فيها من مخلوقات .. والشعور بالمسؤولية والرعاية الصادقة نحو كل ما يدب على وجه الأرض، وما يسري في باطنها، وما يعلو سماءها من مخلوقات .. وهذا لا ولن يتحقق إلا بتحقق الشرط الأول.

وبالتالي قبل أن نسأل الله تعالى التمكين والاستخلاف في الأرض .. أو أن نستشرف هذه المهمة العظيمة .. علينا أن نسأل أنفسنا بصدق .. هل امتلكنا المؤهلات النفسية، والعلمية، والأخلاقية التي تمكننا بنجاح من القيام بواجب هذا الاستخلاف ومتطلباته .. هل ارتفعنا بأنفسنا بحق إلى مستوى الالتزام بجميع تعاليم وقيم ومبادئ الإسلام، من غير تفريط بأي جزئية من جزئياته .. أو خُلُقٍ من أخلاقه .. إذا أن أي تفريط على مستوى الفهم ومن ثمّ الالتزام ـ أياً كان قدره ونوعه ـ سيؤدي لا محالة إلى التفريط في الرعاية والقيادة والاستخلاف على قدر ونوع التفريط في الالتزام .. فالإيمان ـ كما في الحديث ـ بضع وسبعون شعبة .. وبالتالي فإن التفريط بأي شعبة من شعَب الإيمان سيؤدي واقعاً وعملاً إلى ضدها من شعب الكفر، والظلم، والضلال.

* * * * *

602- لا بد من طهور.

عندما يمرضُ الإنسانُ ويُصاب بالحُمّى، تراهُ يخرج منه العرق ليتطهر من مرضه، وما رسب في بدنه من سموم، كذلك الأمة عندما تمرض لا بد من أن تُسال الدماءُ لتتطهر من أمراضها وسمومها، وما علاها ـ عبر العقود السالفة ـ من رانِ الذل والهوان، والوهن ... ولما عبد بنو إسرائيل العجل أياماً كانت الكفَّارة والطهور بحقهم:) فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ (البقرة:54. فكيف بأمةٍ ابتليت بعجولٍ .. قد عُبِدَت من دون الله عقوداً ودهراً .. لا بد لها من طهور، الله تعالى أعلم بكمِّه ونوعه .. نسأل الله السلامةَ، والعفو والعافية.

* * * * *

603- عندما يُساء للعظماء!

أتدرون متى يُساء للعظماء والكبار من عمالقة الأمة والتاريخ ..؟

لا يُساءُ إليهم عندما يتجرأ عليهم أعداؤهم بالطعن، والانتقاص .. فطعن العدو مدحاً لهم، ثم جرت العادةُ في العدو عدم الانصاف في حكمه على الأعيان والنبلاء من عظماء هذه الأمة.

وإنما يُساء إليهم عندما يجري مدحهم ـ والاستدلال بكلماتهم ـ على ألسنة المنافقين الكذابين، والمتلونين .. الذين يقولون مالا يفعلون!

يُساء إليهم عندما ينتسب إليهم من هو ليس منهم، ولا هو على أخلاقهم وطريقتهم .. فيكون بأخلاقه السيئة شاهد زور على أخلاقهم وسيرتهم الحميدة.

* * * * *

604- الضَّحِكُ والبُكاء.

الضَّحكُ في غير المواطن التي تستدعي الضحك .. خِفَّةٌ .. ومن خوارم المروءة والرجولة .. وقليله ككثيره ضار بالقلب .. وخير الأمورِ أوسطها.

والبكاء في غير مواطِنِه .. علامة على التَّزَلّف، والتملّق، والكذب، والنفاق .. وهو حينئذٍ أقرب للتباكي منه إلى البكاء.

ومن علامات جبن المرء .. عندما يصرخ عالياً .. يريد المبارزة والمنازَلة .. مع علمه المسبق بخلو الساحة من الفرسان!

* * * * *

605- الشَّرِطَةُ في بلادِ الغَرْبِ وفي بلادِ العَرَب.

الشَّرَطيُّ في بلاد الغربِ خادمٌ للناسِ، وصديق لهم، يتودد لهم بالبسمات والتحيات، وإبداء الخدمات، وهو بالنسبة لهم عنصر أمنٍ وأمانٍ، يستريحون لرؤياه، ويرجعون إليه في كثيرٍ من قضاياهم ومشاكلهم، وحاجياتهم ..

بينما الشّرطي في بلاد العرب، عنصر خوف وإرهاب، مُقطّب الحواجب على مدار الوقت، وكأن الكآبة كلها قد اجتمعت فيه .. فَهِمَ ـ وأفهموه ـ أن مهنة الشرَطي ـ بالدرجة الأولى ـ الجلد، وتكسير العصي على الظهور .. فهو جلادٌ قبل أن يكون أي شيء آخر .. يظهر وكأنه عدو للناس، والناس أعداء له، يمقتهم ويمقتونه، يلعنهم ويلعنونه، لا يمكن أن تسأله عن شيء، أو تُراجعه في شيء، ولو أخطأت فسألته من أين الطريق ... لنظرَ إليكَ نظرَة تعجب واستغراب .. كيف تجرأت على سؤاله ـ من بين الناس ـ عن الطريق .. ومن ثم يفتح معك تحقيقاً مفصلاً في الطريق .. من أنت .. وأين تسكن .. ولماذا تسأل .. ومن تريد .. وماذا تعمل .. ولماذا أنت هنا .. وقبل أن تكون هنا أين كنت ... إلى آخر الأسئلة الفضولية المقيتة .. وهذا كله قبل أن يجيبك عن سؤالك من أين الطريق .. والويل لك لو تلكأت فقصَّرت في جواب عن سؤال من أسئلته الكريهة .. رحت ـ حينئذٍ ـ في داهية .. واصطحبك معه إلى مغفر الشرطة .. وغاب خبرك عن أهلك .. ليشاركه رفقاؤه في التحقيق .. والطعن والاستهزاء بك .. وربما ضَرْبِك .. وليتحول التحقيق معك إلى عملية ابتزاز .. ورشوة .. تدفع بموجبها كل ما تملك .. وإلا لطالت معاناتك .. وطال غياب خبرك عن أهلك .. وطال مكثك بين هؤلاء الشرطة اللصوص، والذي هو أمقت على النفس من المكث بين اللصوص وقطاع الطريق .. ولاحتجت إلى شفعاء وواسطة قوية تخرجك مما أنت فيه!

* * * * *

606- متاعُ الطّاغيةِ ساعة.

متاعُ الطاغيةِ ساعةٌ ـ يتخللها من المكدرات والمنغّصات ما لا يعلمه إلا الله ـ يعقبها خزي وندامة .. ولعنة الله والملائكة والناس أجمعين .. إلى قيام الساعة .. ثم يوم القيامة يُرَد إلى أشد العذاب، وبئس المصير.

الطاغيةُ يُؤثِر مدحَ وتملق الناسِ له ساعة .. ثم هو لا يُبالي ـ بعد ذلك ـ أن يُسجله التاريخ في خانة وسجل الملعونين المطرودين والمرجومين .. لتلعنه الأجيال التالية كلما ذُكِر .. هذا إذا ذُكِرَ، وتذَكَّرَه الناسُ..

ومع ذلك كثير من الناس لا يتعظون، ولا يُبالون .. إذ تراهم يتسابقون ـ إلى درجة التقاتل وسفك الدم الحرام ـ إلى مهام ووظائف الطغاة .. وأعمالهم .. طمعاً بمتاع ومدائح تلك الساعة وزخرفها.

صدق رسولُ الله r:" ما ذئبان ضاريان في حظيرةٍ يأكلان ويُفسدان؛ بأضرّ فيها من حُبِّ الشَّرَف، وحبِّ المال في دين المرء المسلم ".

* * * * *

607- هكذا يُنبَذُ الطُّغاةُ العملاء.

عندما تكون الدولة للطغاة .. الكل ـ رهبة أو رغبة ـ يتودّد لهم .. ويتقرّب إليهم .. ويتسارع لاستقبالهم .. والاحتفاء بهم .. لاستدرار بعض ما في أيديهم من العطاء الحرام .. فإذا ما كانت الدولة عليهم .. وانهار نظامهم .. وذهبت شوكتهم .. وتوقفت خدماتهم لأسيادهم المستكبرين في الأرض .. لفظتهم الأرض ومن عليها .. وتنكّر لهم المعارف والمُقَرَّبون .. ورماهم الناس عن قوسٍ واحدة .. ونفَروا منهم كما ينفرون من الكلاب العقورة الجرباء المصابة بداء الكلَب والجَرَب .. وأصبح القربُ منهم سُبَّة وعاراً ـ أبدَ الدَّهرِ ـ يُلاحق المرء أو الجهة التي تأويهم أو تقترب منهم .. مثال ذلك: ما حصل مع طاغية تونس " شين العابدين "، واللصوص من أبناء عائلته .. لما أفَلَت دولتهم وشوكتهم ... فهل يتعظ الطغاة الظالمون؟!

* * * * *

608- مصانِعُ الطُّغاة!

لكل آلة مصنعها .. ومصانع الطغاة .. هي الشعوب التي تحتقر، وتذل، وتهين نفسها .. الشعوب التي تعيش وتنام وتستيقظ على تمجيد الطغاة وتعظيمهم .. والهتاف باسمهم .. وفدائهم بالروح والدم .. فقد يكون الطاغية بادئ ذي بدئٍ ليس طاغية .. لكن بهذا الأسلوب من تعامل الشعوب معه يصنعون منه طاغية كبيراً .. ويحملونه على أن يتصرف كطاغية .. لا يرى إلا نفسه .. ورأيه .. وما على الشعوب التائهة الضالة سوى طاعته ومتابعته فيم يرى، على مبدأ فرعون رمز الكفر والطغيان والاستعلاء بغير حق:) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (الزخرف:54. ) قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (غافر:29.

فالشعوب المستخَف بها .. والتي ترضى لنفسها الذل والدنية وأن يُستخف بها .. هي التي تصنع الطغاة .. وقد تصدر للإنسانية والبشرية عدداً من الطغاة مالا تصدره في أي مجال من مجالات التصنيع الأخرى .. والمنطقة العربية ـ في الآونة الأخيرة ـ قد حفلت وأبدعت ـ وللآسف ـ في هذا المجال من التصنيع!

* * * * *

609- الناس فريقان ..!

الناس فريقان: فريق يجنح لأخلاقيات وسلوكيات الذباب .. حيثما يجد قيحاً .. ودماً نازفاً .. وقمامة .. يحط ويقيم .. ويجد نفسه .. وشخصيته .. ويمارس مهاراته .. فهو لا يجد راحته ومتعته إلا هناك!

وفريق يجنح لأخلاقيات وسلوكيات النحل .. حيثما يجد زهرة أو وردة تراه يحط عليها ليستخرج منها ما ينتفع به لنفسه .. ولغيره .. فهو لا يجد راحته ولا أنسه إلا هناك.

ولو أردت أن تحمل كل فريق على أن يقيم ويحط ويرعى في مكان الآخر لما استطعت .. ولو حاولت بالإكراه .. أو بالإحراج، والاستحياء .. فإن كلاً منهما سينتظر أقرب فرصة تسمح له بالفرار والانتقال إلى مرعاه الذي يألفه ويستأنس به!

حاولت دهراً مع قومٍ قد ألفوا مجالس السَّفه، والغلو، والفجور في الخطاب .. أن أحملهم على مجالس الذكر، والفقه، والأدب .. فما استطعت .. فطبائعهم " الذبابية " سرعان ما تعود بهم إلى سيرتهم الأولى، وإلى تلك المجالس الفاجرة التافهة .. وبنشاط وحماس غريبين!

صدق الله العظيم:) إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص:56.

* * * * *

610- مجتهد مسألة، وعقلية مسألة!

مجتهد مسألة؛ هو من الذي يحيط علماً ودراية بمسألة من المسائل، من حيث النظر بواقعها، والنظر بأدلتها الشرعية .. وبصورة تمكنه من الخوض والإفتاء فيها .. فهذا يُسمى مجتهد مسألة .. وهو خير وبركة!

فما هو عقلية المسألة؟

* * * * *

611- أُحِبُّ البحرَ ..!

أحب البحر لمعنيين: لأنه آية من آيات الله تعالى، ينتقم الله به ممن يشاء من أهل الفسوق والطغيان .. ولأنه معطاء لما في بطنه من خير كثير للناس.

ومعنى ثالث: لأنه لنا فيه حبيب ...!

قسموا الأرض فيم بينهم، فقالوا: هذه الأرض لأمريكا .. وهذه للطاغية فلان، وهذه للطاغية علان .. ليس منها شيء لله، ليُدفَن فيها أبو عبد الله .. يا سبحان الله!

فتنادَوا فيم بينهم .. هذا الرجل لعنة علينا حياً وميتاً .. فماذا أنتم فاعلون؟!

فقال كبيرهم في البيت الأبيض: فألقوه في غيابَةِ اليمِّ .. تلتقطه حيتان البحر .. فتتوزع جثته في بطونها .. فيضيع ثأره، ويغيب أثره!

يا ويحهم ـ بصنيعهم هذا ـ قد نصبوا مناراً من دمٍ يوحي للأجيال التالية الكراهية، والعدواة والبغضاء!

* * * * *

612- الشعوب الحرة، والثورات الناضجة.

الشعوب الحرة .. والثورات الناضجة الهادفة التي تؤتي أكلها بإذن الله .. لا تتمحور حول أفراد، ولا تربط مصيرها بمصيرهم .. إن انحرفوا انحرفت، وإن ماتوا ماتت، وإن سكتوا سكتت .. لا؛ ليس شيئاً من ذلك .. وإنما هي التي تربط مصيرها وتتمحور حول المبادئ والقيم والعقائد والبرامج والغايات الكلية .. فهذه ثابتة لا تموت مهما دار عليها الزمن أو جفاها الناس .. كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .. لا تؤثر بها العواصف ولا التقلبات.

لاحظنا عبر التاريخ حركات وجماعات تمحورت وربطت مصيرها بشخص أو مجموعة أشخاص .. فكان مصيرها الزوال والاندثار .. إضافة إلى أن عطاءها للإنسانية كان قليلاً .. وهناك حركات وجماعات تمحورت حول الأفكار والعقائد، والقيم والمبادئ .. فطال بقاؤها وذكرها .. وكثر عطاؤها وخيرها للإنسانية.

* * * * *

613- ثمن العِلم، وثمن الجهل.

للعلم ثمن، وثمنه يرتد زيادة ـ في كل شيء ـ على صاحبه .. وللجهل ثمن، وثمنه يرتد بالنقصان ـ في كل شيء ـ على صاحبه ..!

مهما أنفقت في سبيل العلم فأنت رابح .. بينما الجهل سواء أنفقت في سبيله أم لم تنفق، فهو سبب خسارة لك في دينك، وجسدك، ومالك، وحقوقك، ووقتك، وكرامتك .. وفي كل شيء .. ولو فتشت عن كل نعمة تجد سببها العلم .. ولو فتشت عن كل نقمة تجد سببها الجهل .. ومع ذلك فإن طلاب الجهل؛ الذين ينفقون حياتهم وأموالهم في سبيله .. أضعاف أضعاف طلاب العلم .. وما يُنفق في سبيل العلم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* * * * *

614- الغرسُ باقٍ ومتجدّد.

لا تحزنوا يا أخوتي .. الغرسُ باقٍ ومتجدِّد، قال رسولُ الله r:" لا يزالُ اللهُ يَغرسُ في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته ". فإن انقضى غرسٌ نحبَه، تجدَّد الغرسُ بغرسٍ جديد، يستأنف الطاعة والعمل، والعطاء والجهاد من جديد .. وهذا من معاني حفظ الله تعالى لدينه .. ومن تكفل الله بحفظه فلا ضيعة ولا خوف عليه .. فما إن يذهب غرسٌ إلا ويعقبه غرسٌ جديد بإذن الله .. وما إن يرحل منا بطل مجاهد، إلا ويخلفه بطل آخر .. بل وأبطال عدة يجددون لهذه الأمة أمر دينها، ودورها الريادي في الوجود.

والشهيد منا ـ عندما يمضي ـ له معنى الزيادة الذي لا يتسرب إليه النقصان من أي وجه من الوجوه؛ الزيادة من حيث الأثر والعاقبة، في الدنيا والآخرة .. كما قال تعالى:) وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (الأعراف:128.

الإسلام دين الله، والله تعالى قد تكفل بحفظه وإعلاء كلمته .. فأمره ماضٍ بنا وبغيرنا، لا يأبه لمن يخذله ولا لمن يتخلف عنه، حتى يبلغ ما بلغ الليل والنهار بإذن الله، كما في الحديث، فقد صح عن النبي r أنه قال:" ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغَ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدَر ولا وَبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعزِّ عزيزٍ أو بذل ذليلٍ، عِزَّاً يعزُّ الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر ".

وقال r:" لا تزال طائفةٌ من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرُّهم من خذلَهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ".

* * * * *

615- حقوق الإنسان والمجتمع.

إذا أردت أن تعرف مجتمعاً من المجتمعات أين هو من حقوق الإنسان .. فانظر أين هو ـ بجميع مؤسساته الرسمية والشعبية ـ من أربعة أصناف: من الأطفال، والنساء، والشيوخ الكبار في السن، والمعاقين من ذوي الحاجات الخاصة .. فإذا كان المجتمع ـ بجميع مؤسساته ـ يتعامل مع هذه الأصناف الأربعة بإحسانٍ، ورفقٍ، واحترام .. ويُؤدي لها كامل حقوقها .. فهو مجتمع على درجة عالية من التحضر، واحترامٍ لحقوق الإنسان .. وإن كان غير ذلك، أو على النقيض من ذلك .. فهو مجتمع متخلف، وعلى درجة عالية من التخلف .. لا يحترم حقوق الإنسان .. مهما زعم بلسانه ومن خلال قوانينه على الورق أنه متحضر .. ويحترم حقوق الإنسان .. إذ العبرة بالتحلي لا بالتمني ومجرد الزعم.

* * * * *

616- زوال الدول وبقاؤها.

الدول تزول بأمرين: بالظلم، والفسوق .. وعلى قدر تمكن واستفحال الظلم والفسوق في دولة من الدول تكون سرعة الزوال والدمار .. أما الظلم، فلقوله تعالى:) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ (يونس:13. وقال تعالى:) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً (الكهف:59. وقال تعالى:) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا (النمل:52.

وأما الفسوق، فلقوله تعالى:) وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (الإسراء:16.

ولما كان قوم لوطٍ يأتون الرجال شهوة من دون النساء .. جاءهم العذاب والدمار، كما قال تعالى:) فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (هود:82.

وإذا كانت الدول تزول بالظلم والفسوق .. مفهوم المخالفة يقتضي أنها تدوم وتنمو وتزهو بالعدل والطاعة والاستقامة، كما قال تعالى:)وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً ((الجن:16. وقال تعالى:) وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ (هود:3. وقال تعالى:) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (هود:52. وقال تعالى عن نبيه نوح:) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً . يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً (نوح:10-12.

* * * * *

617- ما أخشاه على الثورات ..!

أكثر ما أخشاه على ثورات الشعوب المسلمة في المنطقة العربية فريقين: فريق العلمانيين الذين ناصبوا الإسلام والمسلمين العداء .. الذين يريدون أن يأخذوا البلاد والعباد بعيداً عن عقيدة وشريعة الإسلام .. وفريق ثانٍ يميل للعنف والتشدد .. يريد الأمور كلها في سلة واحدة، وساعة واحدة .. ينزع لأخذ الأمور بالقوة والعنف .. فما يُؤخذ عن طريق الكلمة والرفق .. يأبى إلا أن يأخذه باليد وعن طريق العنف والتشدد .. وهؤلاء يُفسدون من حيث يدرون أو لا يدرون .. وهم ممن أخشاهم على مستقبل وعطاءات ثورات الشعوب المسلمة.

* * * * *

618- أغبى الطغاة!

تأملت حال الطغاة وسياساتهم .. فرأيت أغباهم، وأشدهم سفهاً الذي يركن على طغيانه واستبداده .. فيظن طغيانه حصناً آمناً له من نقمة وغضبة الشعوب .. فيتمادى في الطغيان والظلم أكثر وأكثر .. وهو في حقيقته يحفر قبره بنفسه .. ويسرّع أجله بنفسه وهو لا يدري .. وهو سرعان ما يكتشف أن حصونه التي بناها بالطغيان والظلم .. هي أوهن من بيت العنكبوت .. سرعان ما تتهاوى أمام غضبة وثورة الشعوب المظلومة.

الحاكم الذي يبني حصناً بالعدل، يحميه أكثر من ألف حصن يبنيه بالطغيان والظلم ...!

* * * * *

619- الإنسان والأشياء!

تأملت الأشياء كلها فوجدتها مسخرة للإنسان وخدمته .. بينما الإنسان ـ إلا من رحم الله ـ ما من شيء إلا ويسيء إليه .. الدواب .. والنباتات، والخضروات والأطعمة .. والأنهار والبحار، .. والبيئة والطبيعة .. حتى الفضاء ما سلم من شرهم؛ فقد لوثوه بدخانهم ركضاً وراء الكسب السريع الحرام .. فارتد أذاهم للأشياء على أنفسهم بالضرر البليغ .. حتى فشت فيهم أمراض لم تكن في أسلافنا .. إذ سلامتهم وسعادتهم مرهونة بسلامة الأشياء من حولهم لو كانوا يعلمون!

الشيء من الطبيعة يبقى جميلاً جداً .. ما لم تتدخل به يد الإنسان .. فإذا تدخلت به يد الإنسان الشرير أفسدته .. وأخرجته من وظيفته ومن دائرة الجمال إلى دائرة القبح والضرر!

ثم هم مع هذا الاستغلال الوحشي والخاطئ لكل شيء من حولهم .. وكأنهم حيتان وتماسيح لا تشبع .. فقليل منهم الشكور .. كما قال تعالى:] وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13.

* * * * *

620- أعظم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كله عظيم، جليل النفع والفائدة .. لكن أعظم وأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يكون في مجالس الخوف والرهبة .. فيخشى صاحبه على نفسه أن يصيبه مكروه، أو أن تفوته مصلحة.

أعظمه عندما تشتد الحاجة إليه مع غياب الكفاية من الآمرين والناهين ..!

أعظمه عندما يقف صاحبه في وجه الجماهير الجارفة الثائرة السائرة نحو الهاوية .. وهو يريد منعهم وصدهم!

أعظمه أبلغه أثراً، وأعمه نفعاً ....

أعظمه الذي يكون سبباً لموت صاحبه، لكن بموته تحيى أمّة ..!

أعظمه أصوبه وأخلَصه ...!

* * * * *

621- يتبع في الصفحة التالية إن شاء الله.