المشاعر المحرمة

هيثم الشريف/فلسطين

[email protected]

أقدمني لكم على طبق من" فضه"!! كما أنا !! بشفافية مطلقة، كالعاري تماما من كل شيء!! أقدمني لكم بلا مُحسّنات أو صَبغات أونكهات!! دون أدنى المحاولات التركيبية الزائفة! حتى لو تبعثرت أفكاري على أسطري هنا وهناك، كأشلائي المبعثرة في أزقة هذا الزمان الذي مزقني!!.

 أنثرني وأبعثرني على السطور، وأكشف لكم كلّ المستور!! المهم أن أكتبني وأخطّني لكم ، دون استخدام حبر صيني بين سطر وآخر!! فأدوات كتاباتي الوحيدة هنا هي دمي.. ودموعي..وإبتسامتي..!! أرسمني لكم كما أنا!! بلا رتوش، أو ألوان خادعة راكمتها في نفوسنا مصالحنا الضيقة!!.

 أكتب لكم لانفض عن كاهلي غبار الصمت الذي لفني ألف عام، لأمزق جدارالسكون الذي تلبّسني لألف عام أخرى!! فأغرقني في رماله المتحركة!! أقدمني لكم نقيّا ما استطعت في كل شيء بما تسمى حياتي!! لعل زوايا الأمكنة بظلمتها وبرودتها وقساوتها ورطوبتها القاتلة تفك أسري، أو حتى تهجرني باحثة عن غيري لتتلبسه!!!! أفلم تملّ مني بعد؟ أكتب لكم لألعن في العلن الظلمة والصمت معا!! لأعبّرعن شعوري بقهري.. بخضوعي.. بإنتصاري.. بركوعي!!، لعل البؤس والأحباط الجاثم على صدري يزول يوما قبل زوالي!!!

 أحكي لكم قصة غربتي في وطني، غربتي حتى عن نفسي التي بدأت قبل خلقي!!ولا أظنها تنتهي يوما بموتي!!. أسردني لكم لأحكي عن وجعي!! لأعطي نفسي فرصة أخيرة، لإيقاظ الطفل الذي يسكنني!! ذاك الطفل الذي رفضت إيقاظه يوما فنام فيّ نومة أهل الكهف ولا زال!! أعطي نفسي فرصة لإيقاظ طفل ماعدت أقدر على أن أشجع موته السريري هذا!! ما عدت أقبل أن يسكن طفل قتيل فيّ!! أريد أن أوقظه، علّه يشبّ فيّ ويكبر، فأستيقظ ذات صباح لأجده ماردا في داخلي!! فيُخرج من الغمد سيف القوة ويعارك ضعفي، فلا تأخذه رأفة بضعفي أبدا مهما توسلت إليه نفسي!!ليقتل مع سبق الإصرار والترصد، كل ما فيّ من تردد، ليطرد من داخلي رضا الشعور بالظلم الذي أقعدني لعقود، حتى بت خانعا له!!.

 أريد فرصة لأنتصرعلى نفسي بنفسي لنفسي !! فدهر إنتظاري باحثا عمن يحارب عني ، ويخلصني من سجني لذاتي، أخذ ينهش جسدي، وينخر عظامي ، ويطفيء سنين عمري. أريد نصراً مُظفّرا عليّ لأعود بشريا!! في زمن تخلى الكثيرون فيه عن بشريتهم!! .

 أريد بصمة لي حين يحين زوالي، قبل أن أتلاشى، أريد أن أُذكّرني قبل غيري، بأني هنا، أو حتى أن بقاياي لا تزال هنا!! فألتقط منها ما تبقى من بقاياي قبل أن تأخذها الأمواج العاتية إلى البعيد بلا رجعة.. أو رحمة !! أريد أن أطمئن نفسي، بأنني لم أمت قبل الآن سوى مرة بعد الألف مرة!! .

 فقد كرهت أن أبقى على هامش الحياة، كرهت كل ما تلبسني، الضعف، زوايا الامكنة، الخوف. وكرهت أكثر أني بنفسي أشيعني لكم، حتى مل جسدي كم أكله الدود قبل أن يسكن نعشي!! لذا، فأن كان لا بد من تشييعي، فأريد أن أموت على طريقتي!! أريد أن أموت وأنا أقاتل، وأنا أحارب، وأنا أحمل سيفي، وأنا أدافع عن مبادئي وحقي في الوجود كغيري ، أريد أن أصرخ ولو من بين الضلوع، أوبعلو صوتي بأني هنا.. أنا هنا.. أنا هنااااا.

 فقد آن الأوان أن أعلن وعلى الملأ أنني هنا، وأنني أنا كما أنا، وبأنه لا زال بداخلي وفي أعماقي طفل حيّ !! رغم تغييبي له طوال حياتي!! ها قد إتخذت قراري بالتصالح مع ذاتي، كي لا أخسرها وأخسر إنسانيتي، كما خسرت كل شيْ !!.

 ففاتحوا وافتحوا مع أنفسكم من خلال نافذتي لكم صفحة ناصعة البياض كقلوبكم . تعرّفواعلى داخلكم، قولوا الحقيقة كاملة وإن جرحت بعضنا أو أغلبنا .

 آن الأوان أن نعلن على الملأ أننا بشر، وأن لنا أحاسيس ومشاعر وأحلام، وأننا كسائر من يعيش في داخلهم طفل، نمر بلحظات وله وتيه، وأوقات أخرى يعتصرنا فيها الألم، وتدمينا فيها الجراح والآلام ، في ظل واقع مُرّ ومشؤوم!!

 عبروا من خلال نافذتي هذه عن كل مكنوناتكم، ولا تخافوا من السقوط في هاوية النفس!! فأي خوف من السقوط فيها ونحن بقعرها!!

 فيكفي ما نقضيه من حياتنا ونحن نتكلم بالرموز!! دون أن نقول الأشياء التي نود أو يجدر بنا قولها!!

 فالنبدأ مع أنفسنا من جديد، فلنصارح أنفسنا بكل شيء، فليس المخجل مصارحتك لذاتك، وإنما المخجل بل والمخزي أن تبقى أسير صمتك!!

 فلنحرص ولنحّرض أنفسنا على إنصافنا، بصدقنا أمامنا قبل الآخرين، فلنحكي تجاربنا بحلوها ومرها، لنحكي عن الإنتصار.. أو الإنكسار!!. قبل أن يفوت الأوان ولا يبقى وقت للندم حين يفوتنا القطار !!

 أما مللتم لعب دور الضحية دوما!! والمطالبة بأن يتم قتلنا بصورة رحيمة!! أما كرهتم مثلي قبول الإنكسار ، وتبرير ذلك بان أبيت مظلوم أفضل من أن أبيت ظالما؟ أولسنا بذلك نظلمنا؟ حتى أصبحنا جميعا ماسوشيين بالفطرة!! إنهضوا من رماد الصمت ، لست أدعوكم للإكتئاب بل أدعوكم للإنقلاب على ذاتكم الخانعة، ولأن تنتصروا على ضعفكم، كما أفعل أنا، فأدعو ذاتكم المستسلمة لرفع راية أخرى غير الراية البيضاء التي ما رفعنا سواها يوما.

 علينا أن ننهض ولو مبين الركام، فيكفينا هروبنا دوما إلى الوراء!! يكفينا أننا كلما فشلنا في حاضرنا بحثنا عن الامل في ماضينا، دون أن نفعل شيئا للمستقبل؟يكفينا مصارعة طواحين الهواء كما الدونكيشوت، يكفينا أن نبحث عن أمثالنا من المنكسرين في وجوه البشر لنرتاح، ولنعزي أنفسنا بأننا القاعدة والباقي هم الشواذ!! فلنفق.. فلنفق،ولنصدق مع النفس ولو مرة، وكي لا تجرفني التفاصيل أكثر ، أنا أول من سيبدأ! .

 لذا، قررت من خلال مدونتي أن لا اخاطبكم، وإنما أن أخطاب ضمائركم،إن بقي فيكم شيء منها!!فاحترت بأي العناوين التي تحكيكني والتي أختزل لكم فيها تجربتي ويمكن أن تكون نافذتي إليكم لنصل لأفئدتكم بسرعة تسابق الريح؟ فأول ما خطر ببالي"شوية كرامة - إحنا بتوع الاتوبيس - ريح ضميرك - سرك في بير- من يلملمني - السكون الصاخب- ، ولكنني أردت أن أنثرني لكم أنا كما أنا من خلال حديثي معكم عن مشاعرنا المحرمة، ومن هنا، إليكم تجربتي، مدونتي، المشاعر المحرمة".

 فإليكم كلمات..نبضات.. ترويني، تحكيني، وربما بوفاتي تعزيني!! كلمات نابضة مُعبّرة عن الجرح، ونزيف الروح، كلمات لا ترقص إلا على أوتار الألم والمعاناة والآهات، كلمات تحكي قصة إنكساري ألف تارة، وإنتصاري تارة، ومشاعري السلبية تارة، فكلماتي المغلفة بحزني، والتي تحكي كيف انطفأ كل نور، كلمات أو مذكرات قد تُقرأ بسودواية، فيظن البعض أن الهدف منها التلذذ بعذاب النفس، لان لا بديل لطريق الآهات!! ولكن، قد يقرأها آخر بنظرة أخرى فتعطيه الأمل، فكلماتي التي تعبر عني، قد تحكي قصة شخص آخر أو أُخرى، ربما تُعبر حينا عمن لا يجدون عبارات تسعفهم، تصف أو تحكي فرحهم أو ألمهم، فلعل كلماتي، وحتى تناقضاتي، تحكي أحدا، لتزيح هما، لتزرع أملا..