عصفورٌ ونرجسٌ وشتاء

محمد عميرة – القدس

[email protected]

كما تسوقنا الأقدارُ تسوق ُ الأطيار َ ، فقد تاه َ عصفور ودخل بيتي هذه الشتوة فأمسكته ، ولعشقي للحرية استمتعت بإلقاء القبض عليه ، ثمّ أطلقته . كان يقاوم ُويحسبني حابسا حريته ، فينقرني ويحاول الإفلات ، قد ّمت ُ له ماء ً فأبى ، وخبزا ً فأكل ثمّ أطلقته لما يبحثُ الأحرارُ عنه .

هي أشياء ٌ بسيطة ٌ تحدث ، فلا أعرف لم َ يلحّ ُ قلمي عليّ لتدوينها ، فحتى حين اشتريت ُ في هذه الشتوة من سوق خان الزيت نرجسا – زينت ْ عجوزٌ خضرة ً تبيعها به – فقط رائحة النرجس السحرية هي التي حثتني على الكتابة .

ولما وضع الليل ُ على القرية عباءته السوداء ، وضعتُ هذا النرجس في الكأس واشتريتُ منه عطرهُ بالماء ، والماء في هذا الشتاء ليس ككل شتاء ، والعزف على وتر الرعد في هذا الشتاء ككلّ شتاء ، فقد كان مزعجاً ومواريا ً وراء إزعاجه خيرات ٍ وبركات ، كما تتوارى الولادة والحياة الأبدية خلف الألم والموت .

غالبا ما يختتم ُ الشتاء معزوفته بإسدال ستارته الناصعة البياض على فرقته المعتادة والمكوّنة من الرياح حاملاتِ الناياتِ ، ومدير الإنارة البرق ُ اللامع ، والغيوم العاليات الغاليات الباكيات ، والرّعدُ الذي لا يقهقه ُ طرَبا ً إلا إذا حميَ الوطيس .

وها هو الشتاء يكاد يلملمُ أشياءه تلك ويحملها على عربة الفصول الدائرة ليرحل َ مبتسما ، وليفسَحَ المجال للعازف الأجمل والأروع .

ونلملمُ نحن متعلقاته من مدافىء وحطب وقصص لنضعهنّ َ في المخزن ، وعلى رفِّ الذ ّاكرة فيه .