المواطن الآن وغداً
د. بلال كمال رشيد
[email protected]
ما
كنت أعلم أني مواطن صالح قابل للنقاش والحوار إلا الآن ، قبل الآن كنت أُحاور ولا
يسمعني أحد ، كنت أُصوت .. أصرخ... حتى بُح صوتي ... ولا أجد لصوتي صدى ولا تأثيرا
.. كنت أَرى ولا أُرى ... أَسمع ولا أُسمع ... أَعرف كل من هم أعلى وأغنى وأقوى مني
... ولا يعرفني منهم أحد ....كنت أتلقى القرار وألوذ بالفرار إلى قرار ثم قرار حتى
لم يستقر لي في يوم قرار !!!
ومن
أنا سوى مواطن ألوذ بحبِّ الوطن ، وحبي للوطن أكبر من حاجتي وفاقتي ، أعلى من قامتي
، أسمى من مقامي ومقالتي ،
والآن ازدان الأردن وتزين بشعارات تخطب ودي ، وتطلب ثقتي ، وحيثما تلفت وجدت من
يناديني بالصوت وبالصمت ، بالصورة ، عبر كل الشبكات العنكبوتية والصوتية والصورية
، تزيد الضغط عليَّ حتى أُغير شبكة القلب ، ووجهة العقل ، تحت وابل من الإغراء
والإطراء
الآن الحكومة تناديني .. تشجعني ... أن أنتخب ... أن أُصوت ، الآن تقول لي : صوتك
مسموع ... والفضاء لك ، والقرار لك .... القرار بيدك .. والتغيير بيدك .. تحمل
المسؤولية وانتخب ....
الآن المرشح يأتيني . ... يسبقني في الحديث عما أشكوه وأعانيه ، يُحدثني عن ألامي
وأحلامي ، يئن بأنيني .. يتكلم بصوتي ، يمنيني، إن هو فاز ،بتحقيق المعجزات ، الآن
يسمع صوتي حتى ولو كان هسيسا ، الآن يعرف دمعتي قبل أن تنز ، وآهتي قبل أن تفح ،و
يريد أن يداوي جرحي قبل أن يسح !!!!
الآن تُفتح لي الأبواب ،و تولم لي الولائم ،وأُقدم وأُكرم ، وأُسمع وأُفهم ، فأنا
الأغلى وأنا الأقوى ، لأنني المواطن !!
الآن بيدي مفتاح مجلس الأمة ، سَأُجِلسُ من أشاء ، سَأُخرجُ من عشيرتي ، عشيرة
المواطنين ، نائبا ومن ثم وزيرا ، سأرفع من شأنهم ، ومن مستواهم ، سيتكلم بلساني ،
سيحقق الشعارات ، لن تأخذه في الحق لومة لائم ، لن ينسى عشيرته وعشرته ومطالبهم ،
سيكون الوفي بل الأوفى ، كما عهدناه وخبرناه ،هذا ظني ، وكم خاب ظن المواطن مثلي،
كم خاب !!
الآن الدور لي ، والكرة في ملعبي ، ألعب فيها كما أشاء في حدود قبضتي ، وغدا سينتهي
دوري ويبدأ دورهم ، وستنتهي الكرة إلى قبضتهم ، ستصبح قضيتهم ، ستغلق عني الأبواب ،
وسأعيش عمري أطرقها من غير جواب !!!سأعود عندها إلى حيث كنت مواطنا صالحا لتلقي
القرارات ، مواطنا يحيا بحب الوطن !!
الآن يلاحقني المرشحون وأنا أتدلل، وغدا سألاحقهم وأنا أتذلل !!!!