دوائر الأيام
صالح أحمد
الأيام لا تنتظر أحدا، ولا تطاوع من ينتظرها، ولا تحفل بمن يغافلها عائدا يبحث خلفها عن أثر.. يصغي لذكريات موغلة..
الأيام تمضي.. ترمي بثقلها على العابرين، تحاصرنا بتبعاتها من حيث نحلم، ولا نحلم!
الأيام تحفظ للعائدين إلى الوراء بحرا من الأوهام!
الأيام لا تسكن الزّوايا، لا تحفل بالتّكايا، لا تُثقلها الرّزايا...
الأيام لا تنتظر حيث ننتظر.. لا تختفي حيث نختفي.. لا تكون حيث نريدها أن تكون... لأنها ليست ملكنا... وكل الذكريات؛ كائنها، وبائنها، متضاربة!
الأيام متعاقبة... وإننا متعاقبون...
فلا يرَدّ على الجنون بلا جنون.. والكل يمضي؛ فلا خيطٌ يَشُدُّ، ولا حدُّ يَحُدُّ، ولا مَدُّ يَمُدُّ...
فهل يبقى سوى أنا للأنا؟
وما أنا؟!!
***
الأيام لم تكن، ولن تكون معي حيث أجلس مبعدا عن وجه النّهار، لائذا من وهج الرؤية والرّؤى، مُتَكوّرا في سكون السّكون، مبعدا عن صخب الحقيقة في جنون الجنون...
***
الأيام طفولة ماردة؛ تلهو على مداخل أنفاسنا، تعبرنا نفسا بعد نفس، تعبرنا، وتبقى ماردة.. نلهو في ظلِّها، ونظلّ نخافها، نخشى أن تفتح لنا بابا تطالعنا منه: مقاطعنا، مطامعنا، مطالعنا، مصارعنا، مواضينا، بواقينا... وكل شيءٍ مُفرَغٍ منّا... تركناه برغمنا، وما زال فينا! يبحث عنا.. بقايا رائحة!
***
الأيام: تعبر من ينتظرها، تتركه جالسا كالميّت، كالمتروك على أعتاب مرحلة، والمرحلة لا تدوم... المرحلة حين لا نكونها؛ تغدو لمعة خادعة..
اللّحظات حين لا نُبَروِزُها ببصماتنا؛ تفقد رونقها، وتُفقِدنا نكهة انبهارنا بنا... فيغدو عمرنا، حلمنا... لمحة تذكُّرٍ لفراغات غابرة، حيث ينام النّهار في وهمنا، ولا يبقى سوى أثر الليل ممتدا على مساحات فراغنا...
***
الأيام: أنفاس تستريحُ ماضية، تترك لنا سرابا، كم تعوّدنا الهروب إليه بحثا عن حرارتنا الهاجرة، نطرقها بابا إثر باب! لكن الأيام لا تترك ظهرها للريح، لا تُلقِحُ ملحها من سيل، لا تفتح صدرها للبقايا الهائمة... ولا تخترق نوافذها رائحة...
الأيام: تتركنا خلفها عمرا كاملا، أو راحلا... وتقوم على أسطح الذكريات، حيث كلماتنا تتقزّم، قاماتنا تتجعّد، والأحلام تتوارى... ولا تخيّمُ سوى الرّائحة...
***
الأيام: صمتنا الذاهب عنّا إلى ما كان يمكن أن يكون إذا سكنّا عمقنا... وأحسنّا التّواصل مع شموخ خطواتنا... ورحمنا الذّكريات من طول اتكائنا عليها؛ وهي تتّكئ على على ذاتها... ونعود مع الأيام نزرع أنفاسنا، مدركين: إلى أين سنأخذ النّهار، وعلى من سنرمي بالليل...! ونحدّد: أي لون نحبّ أن يكون للرائحة!
***
الأيام حقولنا..
الأيام حرث خطواتنا...
فما هي تحت وابل كلامي، وتفاخري وهيامي، أتكلّم وأصغي، وأقف ولا ألوي، والثّواني يابسة، وحقبي مهدومة الأركان؟!!
وما هي تحت وابل فكري، وأنا أنشد جدي، هاربا من زوايا ذاكرتي المغلقة على ذاتها، مطاردا آرتال ذاكرتي القابلة، تاركا كل بقايا الضّباب ورائي، باعثا عبق المَخارِجِ من مداد ظهيرتي، مستفزا لِيُنوع الرائحة؟!
***
الأيام:
تمنحنا سعيا مفتوح الأكناف..
لا حدّ إلا ما أردنا، إذا ما رفضنا أن نستريح لنجد وهمنا "مَكْبوبًا" على وجوهنا... ننام؛ فتنام أعمارنا معنا، تمنحنا ليلا واسع الصّدر؛ لا يمِلُّ، ولا يُمَلُّ... وتستفيق به الظّنون، والفتون، والشّجون... ولا تُفيق الرّائحة.