فتش عن المرأة

منى محمد العمد

[email protected]

كنت وبعض زميلات الدراسة , نمشي في طريقنا إلى كلية الشريعة , إذ اعترض سبيلنا رجل في الخمسينيات وألقى علينا تحية الإسلام باحترام بالغ , توقفنا ورددنا التحية بمثلها , فقال بلغة عربية تكاد لا تخفي لكنة أجنبية معرفا عن نفسه وسبب اعتراضه لنا , قال : أعمل مرشدا سياحيا , وأرافق الآن الفريق الألماني الذي يزور الجامعة , وقد لفت شكل لباسكن المتشابه نظر أعضاء الفريق وهم يستأذنونكن في طرح بعض الأسئلة إن أمكن . التفتنا إلى حيث أشار , فرأينا بضع عشرة سائحا وسائحة يجلسون قريبا ينتظرون الإشارة , نظر بعضنا إلى بعض , فمن متشددة تقول إنه لا يجوز لنا أن نكلم الرجال , إلى متشنجة تقول وهي تنظر ناحيتهم : ماذا يفعل هؤلاء الكفار في بلادنا ؟ وثالثة تدعونا لتجاهل الأمر والمضي إلى كليتنا القريبة نلوذ بحماها من هؤلاء الغرباء , قلت فلماذا ندرس الشريعة إذاً ؟ دعونا ننظر أولا ماذا يريدون , ثم أليست هذه فرصة نبلغ فيها رسالتنا السامية ؟ فرصة ما أوجفنا عليها من خيل ولا ركاب , بل جاءتنا إلى ديارنا تسعى , ولن يخل الأمر من فائدة , أيدت بعض الزميلات الفكرة , وعندما استقر الأمر على الموافقة , فارقت الجماعة اثنتين أو ثلاثة منا باعتبار أننا سنقدم على ارتكاب معصية هن في غنى عنها .

سألوا أولا هل ما نرتديه هو زي رسمي للكلية ؟ قلنا : بل هو استجابة لأمر الله تعالى , فقد أمر المرأة بلباس محتشم يحفظ عليها كرامتها , ويحميها من التعرض لما تكره بل ويحمي المجتمع المسلم من عاقبة التبرج التي يشهدها العالم اليوم, قالوا : وهل هذا الزي بالضبط هو الذي أمر الله به ؟ قلنا : ليس تماما إن كنتم تقصدون الشكل أو اللون , فقد أمر الله تعالى بلباس ساتر له شروط معينة , وقد تعورف في منطقتنا على ارتداء الحجاب بهذا الشكل , أبدوا إعجابهم بما قلنا , وكان يبدو أنهم يسمعون عن الإسلام لأول مرة , وأخذوا يتناقشون بينهم , في هذه الأثناء , قال لنا مرشدهم : إنهم يتقنون الإنجليزية , لكنهم يرفضون التحدث بها ما لم تدعهم إلى ذلك ضرورة قصوى !! اعتزازا بلغتهم وتكريسا لانتمائهم لوطنهم , تقدم أعضاء الفريق منا معبرين عن شكرهم وتقديرهم , يمدون أكفهم لمصافحتنا مودعين , اعتذرنا بلطف وقلنا بأننا نستطيع فقط مصافحة النساء منهم , فتراجع الرجال ينظر بعضهم إلى بعض يعبرون عن استغرابهم , وتساءلت النساء اللاتي تقدمن لمصافحتنا عن سبب امتناعنا عن مصافحة الرجال ؟ قلنا : أترون الدين الذي ينهى المرأة عن إبداء زينتها أمام الأجانب من غير محارمها ويأمر الرجال بغض البصر عنها إكراما لإنسانيتها , ترونه يسمح للرجال بمس يدها ؟ نظرت النساء إلى بعضهن نظرات ذات مغزى لا يخفى على ذي بصيرة , ثم حييننا شاكرات , وانصرفنا نتابع طريقنا ونحن نرجو أن تنمو البذرة التي زرعناها يوما ما , فربما يبقى لهذا اللقاء العابر أثره وربما أثمر ولو بعد حين , على أي حال فقد أدينا بعض الواجب , ولسنا مسؤولات عن الهداية فما علينا إلا البلاغ .

طرحنا نحن عدة أسئلة بعد أن ابتعدنا عنهم : ألسنا نحن أحق بهذا الاعتزاز بلغتنا وعروبتنا ؟! لماذا نعتبر التحدث بغير لغتنا وبالإنجليزية تحديدا مظهرا حضاريا ؟! ثم ما السر في اعتزاز الألمان بلغتهم إلى هذه الدرجة ؟ وبقيت هذه الأسئلة دون إجابات زمنا .

لم نكن نحن فقط من تساءل عن استعلاء الشعب الألماني واعتزازه الشديد بلغته وانتمائه , فقد أثار هذا الأمر فضول بعض علماء الاجتماع الذين قرروا أن يبحثوا عن السبب بطريقتهم , ورأوا أن المرأة الألمانية هي فقط من يعرف الجواب أليست هي المسؤولة عن تربية الجيل ؟؟ فكيف غرست هذا الانتماء حتى أصبح صفة عامة للشعب كله ؟! ومن أجل التوصل إلى إجابات أوضح ؛ تم توزيع استبيان على النساء هناك , يحوي عدة أسئلة من جملتها وأهمها على الإطلاق : ما هو حلمك في الحياة ؟ ويا للعجب لقد أجابت نسبة كبيرة من النساء على السؤال بقولها : أحلم بإنجاب طفل يكون مثل ( هتلر ) , وقد كان شعار هتلر الذي يرتبط باسمه { ألمانيا فوق الجميع } , وقديما قالوا : إذا عرف السبب بطل العجب , أليست أم تحلم بأن يكون ولدها مثل هتلر إعجابا به ستربي هذا الولد على تقديس شعاره ؟ وبالتالي ينشأ الجيل كله معتزا بهذا الشعار مفتخرا بانتمائه , صدق لعمري من قال : فتش عن المرأة , وعند جهينة الخبر اليقين .

نعم ما سادت فكرة في مجتمع إلا كانت المرأة هي المسئولة عنها , فهي التي ترضع أطفالها فكرها وعلمها أو جهلها وتخلفها , ولله در أحمد شوقي إذ قال :

وإذا النساء نشأن في أمية رضع الرجال جهالة وخمولا

ثم ألم تكن عند العرب في الجاهلية عصبية قبلية وتعاظم بالآباء وتفاخر بالأنساب , سنجد الجواب عند المرأة أيضا , فلقد كانت تهدهد طفلها لينام وهي تنشد له أشعار الفخر :

نما به إلى الذرى هشام قوم وآباء له كرام

ولهذا فقد صنعت المرأة الجاهلية رجالا, هم الذين كانوا خير القرون بعد أن أكرمهم الله تعالى بالإسلام , والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة , خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )) فهذه هند بنت عتبة تمشي ومعها طفلها , فيقول لها أحد العرب وكانت له فراسة : طفلك هذا سيسود قومه ! فتقول : ثكلته إن لم يسد العرب !! لم يفاجئها قول الرجل , بل هو لم يبلغ مدى حلمها , هي تعلم ماذا تريد لولدها أن يكون , وتعلم على أي شيء تنشؤه.

وقد تحقق هذا الحلم فساد معاوية بن أبي سفيان ـ ولدها ـ العرب , بل لقد نقل سيادة العرب إلى قومه بني أمية وبقيت فيهم الخلافة سنوات طوال .

من حقنا أن نسأل ماذا أرضعت المرأة المسلمة ولدها مع اللبن ؟ وعلى أي شيء ربته اليوم ؟ و بأي نشيد تهدهده لينام ( نام لأذبح لك طير الحمام ) ؟؟! ثم هي لا تريد إزعاج وتخويف الحمام , فتحرص على أن تؤكد للحمام أنها ليست جادة فيما تقول وأنها ( تخادع ) ولدها لينام !

أفكر جديا في توزيع استبيان مماثل على عينة عشوائية من طالبات المدارس الثانوية مثلا فنتيجته قد تلقي الضوء على جيل المستقبل , أو إنها على الأقل ستظهر للدعاة والمصلحين مواطن الضعف في بناء فتيات اليوم وأمهات الغد , فيتجهون إلى تقوية الأساس , بدلا من أن يهدروا جهودهم في محاولة تزيين البناء وزخرفته من الخارج , بينما يأكل السوس دعاماته ويحاول تقويضه من الداخل , ويتجهون إلى القضاء على أصل الداء بدلا من الانشغال في معالجة بعض مظاهره العارضة .

وفي هذا السياق أذكر أنه أثناء زياراتي لبعض المدارس , تسألني مديرة المدرسة أحيانا عن الموضوع الذي سوف أحدث به طالباتها , فأسألها بالمقابل ماذا تودين ؟ فتقول : حدثيهن عن مدى حرمة نمص الحاجبين وحكم تشقيرهما وتضيف بحماس وارتداء الأحذية الملونة ... و.... القائمة طويلة , فأقول أفعل إن شاء الله ولكن بطريقتي , أريد أن أوجه اهتمامها إلى وظيفتها الأساس , إلى أهمية دورها , إلى خطورة تخليها عن حماية الثغرة التي تقف عليها حيث تنفذ سموم الأعداء الفتاكة محاولة القضاء من خلالها على أرومة الأمة , سترفض هي بذلك أن تكون تلك الدمية التي تحاول جهدها تجميل منظرها بحلال أو حرام بينما هي فارغة من الداخل لا عقل لها ولا قلب ولا إرادة ولا هدف . وهذا مصداق قول الشاعر :

قد هيؤوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل .