يا مختار المخاتير
يا مختار المخاتير
ليالي الشمال 5
زياد جيوسي
عضو لجنة العلاقات
الدولية في
اتحاد كتاب الانترنت العرب
تواصل رام الله عرسها الجميل باحتفالها بمئوية إنشاء بلدية مدينة رام الله، فما بين المشاريع التي انطلقت لتنجز عبر مراحل زمنية، إلى الفعاليات الثقافية والفنية التي لا تكاد تخلو أمسية منها، فقد عبقت أمسيات رام الله بشدو محمود درويش في قصر الثقافة فأبدع كعادته، ولم تخلو ساحة راشد حدادين من أمسيات تراث وغناء، وافتتاح جاليري المحطة ومعرض اشراقات في قصر الثقافة، وعرض فيلم السيرة والمسيرة ليتناول مسيرة الفنان إسماعيل شموط، وغيرها الكثير، فكانت بداية الصيف استكمالا لفعاليات الربيع، وفي المستوى الداخلي للمدينة لا بد من الشكر لحملة إزالة التعديات على الأرصفة والعمل على توسيعها، وإن أثار أعصابي أن أعود لأجد أربعة أحواض جميلة للأشجار قد جرى تدميرها واقتلاعها ورميها في الشارع، أمام محمص سابا بجوار مسرح القصبة، علما أني كنت موعود من البلدية بإعادة زراعتها، فهي قسم من سبعة عشر حوضا كانت مزروعة بالأشجار الجميلة، فاقتلع الاحتلال أشجارها في الاجتياحات، وزرعت مرة أخرى على حساب المواطنين، واقتلعت الأشجار في مرحلة الانفلات الأمني، وها هي الأحواض تقتلع من جديد من قبل جهة ما، فالبلدية نفت على لسان المهندس رائد النجار مسؤوليتها، ووعدني أن يكشف على الموقع بالأمس ولم يحضر، والمحافظة فشلت كل محاولات الاتصال بها والحصول على جواب، ومدير شرطة المدينة يؤكد لي أن البلدية هي المعنية، وأن جرافتها هي من نفذت تحت حماية الشرطة، والمواطنين الشهود يؤكدون على أن البلدية برجالها وآلياتها هي من نفذت، وأن بعض رجال الشرطة تعاملوا معهم بالتهديد حين ابدوا استهجانهم، فهل هناك من مبرر لخلع أحواض أشجار وتحطيمها وهي لا تعيق حركة مشاة، بل تمنع صعود السيارات للرصيف، وهي ملكية عامة وجمالية، ولماذا أربعة أحواض فقط وترك الباقي، ولماذا تدمر وترمى بالشارع ولا يجري إزالة الركام؟ وهل يجوز أن يجري التعامل مع المواطن بالتهديد؟ أسئلة بحاجة إلى أجوبة من المحافظ ومدير عام الشرطة والبلدية، فيا بلديتنا ومحافظتنا ونحن نرفع شعار: "رام الله بتحلى أكثر بشجرها الأخضر"، هل يجوز أن ندمر أحواضا جميلة تنتظر إعادة الغرس، بدلا من أن نزيد منها ونجعلها نماذج من جمال بغض النظر عمن قام بهذا العمل؟ فأعيدوا بناء هذه الأحواض وازرعوها، واتجهوا لإزالة التعديات على الشوارع والأرصفة في المحافظة، فقرارات إزالة التعديات بالعشرات في أروقة الحكم المحلي، ولكنها لم تجد متابعة من قبل الجهات المنوط بها التنفيذ، لأسباب لا يعلمها إلا الله والمعنيين، ويا رجال شرطتنا الشرطة في خدمة المواطن لا العكس.
في الأيام الماضية ومنذ يوم الخميس الماضي واصلت جولتي في شمال ضفتنا الحبيبة، فذهبت لجيوس لأشارك في زفة وسهرة أبنائنا محمد وجمانة يوم الجمعة، ويوم الأحد كنت أشارك بزفة عدنان ابن صديقي الأستاذ وصفي الخالد، وللحقيقة أن المشاركة بمثل هذه الزفات والمناسبات تمنح الروح جمالا مميزا لا نراه ولا نشعر به في المدن، فالعريس يزف على فرس أصيلة، ويشارك الجميع بالزفة والسهرة بغض النظر عن القرابة والصلة، فالفرح فرح الجميع، وتبدأ الزفة عادة من مكان استحمام العريس حتى الساحة التي ستقام فيها السهرة، والكل يساهم بفرح وعطاء، وكان إبداع الفنانين جهاد الجيوسي وحسن الخربشة مميزا، ففي هذه السهرات يستجلب تراث يؤكد الهوية الوطنية، فما بين الأهازيج والزجل والدبكات، يتم استذكار شهداء البلدة وأسراها والغناء لهم وتجديد العهد، وتتقوى الأواصر الاجتماعية، وتستمر السهرة بحماس حتى منتصف الليل حتى تجري عملية نقش الحناء على يد العريس اليسرى، لتنتهي السهرة استعدادا لحفل الزفاف في اليوم التالي.
السبت كنت استغل الوقت لزيارة قلقيلية المحاصرة من كل الجوانب بالجدار البشع، فلم يترك لها سوى مدخل واحد يتحكم به الاحتلال بمزاجية مطلقة، فأحالها إلى سجن كبير محاط بالجدار وأبراج الرقابة العسكرية والأسلاك الشائكة، فالتقيت هناك بصديقي الكاتب سامح عودة، ليرتب لي جولة جميلة في أنحاء قلقيلية وبلدة حبلة، فشاهدت كم الأراضي الخصبة التي ابتلعها الجدار، ولمست كم القهر الذي يعيش به المواطن، فقد احتجت إلى أكثر من نصف ساعة بالحر الشديد على مدخل المدينة حتى أتمكن من الدخول إليها.
قلقيلية كباقي معظم مدننا تفتقر إلى النشاطات الثقافية والفنية، فلا مسرح ولا سينما ولا أمسيات ثقافية وفنية، وإن كان أعلمني سامح أن هناك مشروعا لبناء قاعة ومسرح، فآمل أن يتم ذلك ولا تبقى الفكرة حلما وسراب، وما آلمني أن قلقيلية من خلال مواطنيها لم تحافظ على أبنيتها التراثية، فجميعها تقريبا قد هدمت وبني مكانها أبنية حديثة، ففقدت ملامح ماضيها وتراثها، فهي مدينة ضاربة في القدم وكانت محطة لمرور القوافل والتجارة، ويقال أن اسمها مستمد من كلمة "قيلولة" دلالة على راحة المسافرين والقوافل فيها، فمياهها طيبة وأشجارها متميزة، وما زال من يريد أن يأكل الجوافة لا يجد أطيب من جوافة قلقيلية.
أما حبلة هذه البلدة الجميلة، فقد كان لي جولة حلوة فيها، فوجئت فيها بوجود مقام اسمه مقام أبناء العوام، يضم العديد من القبور القديمة وان لم يفدني احد عن تاريخ هذا المقام وعن هوية المدفونين فيه، فهو مهمل بطريقة غريبة، ولا يوجد فيه أية يافطة إرشادية تعطي نبذة عنه، والطريق إليه تسلق عبر الصخور، فهل من جهة تهتم بهذا المقام وتجعله لائقا ونقطة جذب لزوار المنطقة؟
في حبلة مبنى لنادي رياضي وثقافي ضخم ومميز، لكن الروتين الإداري يعطل استغلاله، فقد أفادني رئيس النادي السيد أبو رداد بأن الهيئة العامة قررت رفع عدد أعضاء الهيئة الإدارية إلى احد عشر عضوا بدلا من تسعة، من اجل حل مشكلة تواجه إدارة النادي، ولكن مديرية الشباب والرياضة في قلقيلية إفادتهم أن الوزيرة غير موافقة، مما أدى لتعطل نشاطات النادي، وفي نفس الوقت أتيح لي أن ازور ملعبا لكرة القدم تابع للنادي، فنادي حبلة يتميز بكرة القدم، وكانت السيدة تهاني أبو دقة وزيرة الشباب والرياضة قد زارت النادي ووعدت بأن تقوم الوزارة بزرع الغطاء العشبي للملعب، ولكن هذا الوعد لم ينفذ حتى الآن، فهل تتكرم أم خالد بتنفيذ وعدها وحل مشكلة النادي وهيئته الإدارية، وأن تمنح من خلاله وزارة الشباب والرياضة ومن خلال وزارة الثقافة التي هي وزيرتها أيضا، اهتماما بالنادي ليكون أنموذجا طيبا في العطاء، فمبنى ضخم مثل مبنى نادي حبلة، يمكنه إن وجد اهتماما أن يكون منارة ثقافية ورياضية.
صباح آخر من صباحات رام الله الجميلة المنعشة في الصباح، قبل زيادة نسبة الرطوبة في الجو وارتفاع درجة الحرارة، أجول في إرجائها ودروبها، القي تحية الصباح على الياسمينات الجميلة، أشعر بكل الحب الذي يتدفق في شراييني، أخاطب البعيدة القريبة الساكنة في القلب، تعالي لنـزرع رام الله حبا وجمالا، فمدينة الحب لا تعرف إلا الحب والعشق، رغما عن انف الاحتلال الذي يصر على تشويه وجهها بندباته السوداء، فأجتاح بالأمس شقيقتها التوأم مدينة البيرة، وعاث في مبنى بلديتها خرابا وتدميرا، كما اعتاد في المدن الأخرى الجميلة.
أحضر صحف الصباح، أتجول في صحيفة القدس وكأني أجول رحاب القدس من خلالها، وأتأمل الأيام من خلال صحيفتها، والحياة من خلال أقلام أحبتي فيها، أحتسي قهوتي المرة مع طيفي البعيد القريب الساكن الروح من فنجان واحد، اهمس لحروفي الخمسة بالحب وشدو فيروز:
"يا مختار المخاتير بحكيلك الحكاية، أنا ما بحب الشرح كتير ولا في عندي غاية، هني كانوا زعلانين أنا شو بدي فيهن، قلت براضي العشقانين زعلوا أهاليهن، حطوا الحق علي وقالوا أنا حشرية".
صباحكم أجمل.