إلى أدونيس: لا يفك حصار الأسئلة إلا الأسئلة
إلى أدونيس: لا يفك حصار الأسئلة إلا الأسئلة!
نجاة الحجري
أدونيس يفكر : أسئلة تطاردني فماذا أجيب عنها ، وكيف [1]؟ وها هي الأسئلة :
1 -
" الله نور "
لكن هل النور نور إلا بوصفه مرئيا ، أو بوصفه صورة ؟
2 -
يبدو الإلحاد عند بعض العرب كأنه لاهوت آخر : ألهذا لا يفكر الملحد العربي ، غالبا ، إلا بوصفه " متألها " ؟
3 -
" موضوعات الأقاويل الشعرية هي ، بوجه ما ، جميع الموجودات الممكنة أن يقع بها علم إنسان " . ( الفارابي ، كتاب الموسيقى الكبير ، ص 1183 ، القاهرة 1967 م ) .
وفقا لهذا القول ، لا يمكن فصل الشعر عن الفكر والفلسفة . كيف نفسر ، إذا ، هذا الفصل القاطع في التقليد الثقافي العربي بين الشعر من جهة ، والفكر والفلسفة من جهة ثانية ؟ وما أسبابه الأخرى ، إضافة إلى الدين ؟
4 -
هل نقلُنا الحداثة في حضورها التقني الاستهلاكي ، إعلان لا شعوري منا ، نحن العرب ، عن " غيابنا " ؟
5 -
هل هناك " جديد " حقا في لغة ليس لهذا " الجديد " فيها _ هي نفسها _ " جذر قديم " ؟
6 -
هل للغة " هوية " وما هي ؟ أهي في " داخلها " أم في" خارجها "؟ في عالم الجسد الناطق بها ، أم في عالم الأشياء ــ مكتوبة ومنطوقة ؟ وكيف ؟
7 -
هل نكتب اللغة بالشيء ، أم نكتب الشيء باللغة ؟ أو : هل الأولية للشيء ، أم للغة ؟
8 -
بسيشه (Psyche)الأنثى اليونانية الجميلة ، أخذها أبواها وأصدقاؤها بأمر إلهي ، بعد أن ألبسوها ثياب الموت ، إلى ذروة جبل ، وتركوها هناك ، على شفا الهاوية لغرض واحد : أن يعرفوا إن كان الإله سيأتي لكي يخطفها . وهو لا يأتي إلا إذا عرفت كيف تناديه . لماذا تلبس الأنثى العربية ، منذ ولادتها ، ثياب الموت ؟
9 -
إن صح ما يقوله العالم النفسي الفرويدي جاك لاكان وهو أن الإنسان لا يستمتع بالآخر بوصفه آخر غيره ، بل بوصفه ذاته الأخرى ، أفلا يكون الفعل الجنسي نفسه نوعا آخر من التوهم ؟ أو هل هذه " الذات الأخرى " هي من يحبها الإنسان ويجامعها ؟
10 -
" إذا مرضت ، لا شفاء لك إلا في التضحية " : يقول التقليد اليوناني القديم . تبعا لذلك ، يؤكد هذا التقليد :
" لكي تشفى ، عليك ان تقدم لكل من آلهة الأولمب :
سلحفاة في شكل طفلة ،
وكلبا في شكل رجل ،
ودجاجة في شكل امرأة " .
كيف نشفى ، نحن المرضى في هذا العالم العربي ؟ وما التضحية التي يتوجب علينا أن نقدمها ؟ ومن " الآلهة " ؟
-11 -
الدين عودة ،
والشعر سفر :
من أين لهما أن يلتقيا ؟
-12 -
هل للطيور أسرار خارج أعشاشها ؟
13 -
أهناك ما هو أكثر جحيمية من قتل إنسان لغاية واحدة : أن يذهب قاتله إلى الجنة ؟
14 -
ما يكون كتاب نقرؤه ، إذا لم يكن مسرحا شاملا ؟
15 -
لماذا أشعر كلما تقدم بي العمر ، بأن " الوطن " مسألة أحشاء ، لا مسألة حدود ؟
فتداعت الأسئلة بداخلي :
1 -
وهل الحقيقة تشبه النور ؟ أم النور يستقي كبرياءه من الحقيقة ؟
وهل النور معنى لا يعيشه الأعمى ؟ أم هو كلمة فحسب تتحسسها يداه على حدود الصورة المجسمة ؟
2 -
ولماذا يحتاج البشري دائما إلى حقيقة أعلى من حقيقته ، يمتلئ بها ، ثم يكذب على نفسه حين يظنها هو ؟ لم نحتاج إلى أن نلحد أو نؤمن ؟ لم لا يكون كل شيء مستقرا ، مادام كذلك في دواخلنا ، وفي الكون ؟ أم أن هناك أمرا مضطربا يرفض الرضوخ للإلحاد أو الإيمان ؟ وهل هذا الأمر من آثار تلك الحقيقة الأعلى ؟
ثم أي شيء أيسر من الهدم والإنكار ؟ الإثبات دوما يحتاج إلى دليل وبحث وصبر وثقة في الذات والهوية ، فأين الثقة في الهوية من المتألهين العرب ؟
3 -
وما الدين أصلا لنراه سبب الفجوة والحد القاطع ليد الشعر الممدودة ؟ ذاك الذي من صنع الذين صنعوا منه فلسفة وفكرا يخدمهم ؟ أم الذي نسجته عُقد الصغروالكتاتيب بإحكام ؟
4 -
أم أن هوسنا الاستهلاكي إعلان شعوري عن حاجتنا للوجود ، وإقرار بالفراغ ، والغاية الحقيقية الحمقاء التي نرنو إليها ؟
5 -
كونها لغة ولها أنصار ، يجعل جديدها فيهم وبهم ، إلا إن كانوا جميعا جميعا مواتا . فهل هم كذلك ؟
وما يكون الحق إن كان مع الفئة الأضعف ؟ وما يكون الجمال عند قلوب لا تدركه ؟
6 -
وهل الكلمة حين تخرج تعبر عني دائما ، أم عن ذات أخرى بداخلي توازي ذاتي لا أعلمها ، لكنها دوما تذكرني بها ؟
7 -
أليست حقيقة الأشياء في ما نخلعه نحن عليها من إحساس ؟ أليس ما هو حقير عندي عظيما عند غيري ؟ ثم أليست اللغة اختيارا دل على إحساسنا ؟ أفليس الأمر مرده أخيرا إلينا نحن بني الإنسان في عالم مجهول الملامح ، كلما اتضح ازداد غموضا ؟
8 -
أهي أنثى الحمار تلك الأنثى العربية التي يتحدثون عنها دائما ؟ وهل لفظ " الأنثى " كل ما تبقى من المرأة العربية منذ ولادتها بثياب الموت ؟ ولم يصر الذين يريدون لها أن تخلع ثياب الموت أن تبقى بلا ثياب ؟ لم لا يلبسونها ثوب الإنسانية ؟ أهو انتصار( لتاء) المرأة أم (لتاء) الغريزة ؟
9 -
وماذا إن لم يصح لاكان وقوله ؟
10 -
ألا يكون تشخيص المرض من قبل طبيب حاذق أمرا سابقا للشفاء ، بل أهم أسبابه ؛ فمن الطبيب ، وأين المشفى ؟
-11 -
الدين الحياة بما فيها من سفر وعودة ، وذهاب وإياب ، وغفور وتواب ، وبحث وعتبات ، فكيف لا يلتقيان ؟ إلا أن يكون دين السدنة والمحاريب وعُقد الكتاتيب ؟
-12 -
إن لم يكن للطيور أسرار في الخارج ، فهل ستبارح الداخل دوما إلى المجهول المخيف ؟ أليس من أجل الداخل طارت إلى الخارج ؟ وهل يغري المخلوق بالسفر إلا سر عصي ؟
13 -
وهل هناك ما هو أكثر حميمية من أن أقتل طفلك لغاية واحدة : أن أحظى بحبك وحدي ؟
14 -
وماذا إن كانت إحدى خشبات المسرح هشة حد السقوط ؟
15 -
وما الوطن إلا شيء ، معنى ، نصنعه نحن بقوة التوهم ، أفلا يستحيل مع شدة الإحساس وشفافيته ، وعمق الغياب إلى جزء حقيقي من أعضائنا ؟
الملائكة سألت وأذعنت ، فهل بقي غير الإنسان أكثر شيء جدلا ؟ وهل يفك حصار الأسئلة إلا الأسئلة ؟
[1]دونيس ، العدد 34 ، مارس 2008 م . مجلة دبي الثقافية ، دفتر أفكار ، أسئلة تحاصرني فماذا أجيب عنها ؟ وكيف ؟ أ