جوهر الحياة

جوهر الحياة

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

أرسل أحد الأصدقاء - هداه الله وأحسن إليه – مقالاً يدل على ذوق وأدب وفهم للحياة - و روح هذا المقال بين أيديكم - فأعجبني فهم صاحبه للحياة بجوهرها وحقيقتها وأحببت أن أقدمه لقرائنا في بعض المواقع التي أرتاح للنشر فيها وهي كثيرة والحمد لله ، فسألت صاحبي أن يعزو هذا المقال لصاحبه ، فأفادني أنه تلقـّاه عبر البريد ، ولا يدري أكثر من هذا .

إنك تحب الفاكهة اللذيذة وتتذوقها ، كما أنك تحب أن تهديها للآخرين ، أليس كذلك ؟

أعدت صياغة المقال بأسلوبي ، ففي أصله ضعف ، وأعتذر عن هذا القول ، ولكن لا بد من تقديم المعنى الجميل بأسلوب جميل لتكتمل الفائدة - ولا أزكي نفسي - ثم بحثت عن أصله في النت فوجدته في منتديات كثيرة ، بعضها ذيـّله بكلمة " مقتبس " أو " منقول " وبعضهم لم يشر إلى الأصل من قريب ولا بعيد .

والأمانة – عزيزي القارئ - مطلوبة ، وأن تعزو الفضل لأهله من حُسن أداء الأمانة .

وها أنا أقدم لكم هذه الفاكهة – الفكرة - علنا نستفيد من الحكمة فيها أولاً ، ونتعرف صاحبها ثانياً

 من التقاليد الجميلة في الجامعات والمدارس الثانوية الأمريكية أن خريجيها يعودون إليها بين الحين والآخر ... من نجح في حياته وعمله .. ومن تزوج منهم فأسس أسرة فارتاح في حياته بها أو تعب .. ومن تنقل في البلدان فأفاد واستفاد ونجح أو فشل .... الخ

 بعض الدارسين في تلك الجامعات التقوا في منزل أستاذهم العجوز بعد سنوات طويلة من مغادرة مقاعد الدراسة ، وبعد أن حققوا نجاحات كبيرة في حياتهم العملية ،ونالوا أرفع المناصب وحققوا الاستقرار المادي والاجتماعي .

 وبعد عبارات التحية والمجاملة طفق كل منهم يتأفف من ضغوط العمل والحياة التي تسبب لهم الكثير من التوتر

 وغاب الأستاذ عنهم قليلا ، ثم عاد يحمل أبريقا كبيرا من القهوة، ومعه أكواب ذات أشكال وألوان متعددة ... أكواب صينية فاخرةوأخرى من الميلامين ،ووأكواب غيرها من زجاج عادي ،,وأكواب مصنوعة من البلاستيك وغيرها من فاخر الكريستال .

 بعض الأكواب كانت في منتهى الجمال تصميماً ولوناً فكانت باهظة الثمن طبعاً ، بينما كانت هناك أكواب من النوع الذي تجده في أفقر البيوت .

 قال الأستاذ لطلابه : تفضلوا ، و ليصب كل واحد منكم لنفسه القهوة

 وحين أمسك كل منهم بكوبه وارتشف منه رشفات نظر الأستاذ إليهم مجددا متأملاً ، ثم قال وكأنه يتابع حديثاً سابقاً :

 هل لاحظتم ان الأكواب الجميلة فقط هي التي وقع عليها اختياركم ، وأنكم تجنبتم الأكواب العادية ؟؟؟ ومن الطبيعي ان يتطلع الواحد منكم إلى ما هو أفضل ، وهذا بالضبط ما يسبب لكم القلق والتوتر... ما كنتم بحاجة اليه فعلا هو القهوة وليس الكوب ، ولكنكم تهافتم على الأكواب الجميلة الثمينة .... و قد لاحظت أن كل واحد منكم كان يراقب ما في أيدي الآخرين من أكواب .

 فلو كانت الحياة هي القهوة فإن الوظيفة والمال والمكانة الاجتماعية هي الأكواب

 وهذه الأكواب مجرد أدوات تحوي الحياة ونوعها ، والقهوة تبقى قهوة لا تتغير.

 و عندما نركز على الكوب ليس غير فإننا نضيع فرصة الاستمتاع بالقهوة، 

 أنصحكم – يا أحبائي - بعدم الاهتمام بالأكواب والفناجين وأريدكم أن تستمتعوا بالقهوة .

 النظر إلى ما في أيدي الآخرين ، والتشوّف له آفة يعاني منها الكثيرون ، فهناك نوع من الناس لا يحمد الله على ما هو فيه مهما بلغ من نجاح لأنه يراقب دائما ما عند الآخرين ، يتزوج بامرأة جميلة وذات خلق ، ولكنه يظل معتقدا أن غيره تزوج بامرأة أفضل من زوجته ، يجلس مع مجموعة في المطعم ويطلب لنفسه نوعا معينا من الطعام ،وبدلا من الاستمتاع بما طلبه فإنه يظل مراقباً لأطباق الآخرين ويقول : ليتني طلبت ما طلبوه.