حِمامةٌ زرقاء على شاطئ البوسفور
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
في الأسبوع الأخير من شهر تموز , عند منتصف النهار كنت أسير على شاطيء مضيق البوسفور في وسط استنبول التركيه
هاربا من حرارة ذلك اليوم اللاهب
ملتمسا نسمات هواء باردة لطيفة تنعش جسدي المبلل من العرق
متثاقل الخطى حزين مهموم يغمر قلبي الشوق الكبير لأهلي وأولادي ووطني
هناك تجلس عائلة تحت تلك الشجرة , يتناولون الطعام بنهم ولذة عارمة
وهناك يقف شاب مع حبيبته يتهامسون أو يضحكون
وعلى جانبي البوسفور مناظر طبيعية من صنع الخالق تقول لك وتناديك من أعماقها:
تعال أيها الإنسان, وافرح مع من تحب, بما وهبني الله من جمال
وطيور تغرد فوق الماء
يهبط منها أفراد
تغطس في الماء سريعا تبلل جسدها, تلتقط رزقها لتعطي المكان بهجة وسرورا أكثر فأكثر
ولكن يوجد حزن عميق في داخلي يلفني بحبال تلتف حول عنقي تكاد تخنقني
لكم جميل أن تكون معي الآن حبيبتي
لكم رائع الآن أن أرى شهدا ابنتي تركض فرحة بالمكان
أو إبني الكبير أو بناتي
هناك في ذلك المكان كنا سنجلس , ربما نشوي اللحم هناك
ربما نتبادل كلمات الحب والذكريات
ربما نعود سوية لبيتنا العتيق لنجدده بالحياة
لعل وطني قد فتح لي ذراعيه ليحضنني بعد الغياب الطويل والذي امتد لعقود
وأنا سارح في همومي وشوقي وأحزاني وذكرياتي
وأشباح حبيبتي وأبنائي بجانبي وحولي ووطني
وخروج بعض مياه الموج ليغمر جانبا من الشاطيء
يعثر بقدمي ملمسا حيا , نعم إنها حمامة زرقاء
تقف وحيدة عند أطراف المياه
لم تشعر بي
لم تخف مني
إن وجهها كوجهي
يرتسم على ملامحها هموم كثيرة
التصقت بقدمي ومسحت رأسها على أسفل ردائي
كأنها تقول لي
خفف عني همومي , واسيني أيها لرجل الطيب
مأساتي كبيرة , وحظي عاثر
كل مثيلاتي لهن صاحب وبنين
وأنا هنا وحدي
أمسكتها بيدي بحنان وقبلتها بحنان أكبر
والتقت عينايا بعيناها
لترسل حزنها وآلامها عبر عينيها الصغيرتين , بخيوط متعددة الألوان , لتتشابك مع خيوط تخرج من عيني متماثلة معها
والشعور بالعجز عن تقديم العون
فمزجت دموعي بدموعها , ومشيت