جنون البقر وجنون البشر

جنون البقر وجنون البشر

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

تذكرون أنه جاء على العالم حين من الزمن , لم يكن له حديث فيه إلا عن  " جنون البقر" .وأرصدت كل دولة  قواها وإمكاناتها المادية  والعلمية لإيقاف  هذا الجنون ، ولم يكن هناك وسيلة ناجحة لعلاج " البقر المجنون " .. إلا الحرق  .

وجنون البقر ظاهرة محدودة محصورة ، لاتتعدى حركات هستيرية لاتؤذى أحدا ، ولا تتخطى  المزرعة التى يعيش فيها البقر المجنون .

وعرف العلماء الجنون بأنه " فقد الشعور بالذات والإتيان بتصرفات وسلوكيات شاذة دون وعي . مع فقد الشعور بالزمان والمكان والآخرين ." 

ومن هذا التعريف يظهر أن " الجنون " لايستخدم بمفهومه الحقيقي إلا مع الإنسان . أما استخدامه  مع الحيوان فهو استخدام مجازي . أى أننا لانصف البقر بالجنون إلا ونصب عيوننا جنون البشر للقياس عليه .

* * *

تذكرت هذا المعنى وأنا أنظر إلى التصرفات البشرية والجرائم التى يرتكبها الاستعماريون والعدوانيون والصليبيون والصهيونيون ضد الشعوب المسلمة . والمقام لايتسع لعرض هذه المظاهر العدوانية الجنونية ، وأكتفى بالإشارة إلى طبيعة  الجرائم التي ترتكبها إسرائيل فى حق الفلسطينين : قتل الأطفال والنساء والشيوخ ، استخدام الصواريخ ضد الفلسطينيين العزل  من كل سلاح ، تدمير البيوت والحوانيت تدميرا تاما ، جرف المزارع ، والقضاء على البيارات ، استخدام وسائل الغدر والخيانة  ، التمثيل بالجثث تمثيلا بشعا ، حصار غزة , وحرمان أهلها من النور , والطعام , و العلاج , أي احتقار كل المواثيق والعهود الدولية ... الخ .

وكل هذه الجرائم – إذا  رجعنا إلى التعريف السابق للجنون – يصدق عليها وصف الجنون ، ويصدق على مرتكبيها وصف المجانين :

1-  مرتكبوها قد فقدوا الشعور  بالذات : الذات بمفهومها الإنساني العام التى يتكون نسيجها من القيم العليا كالرحمة والشهامة والصدق ، والذات بمفهومها الخاص ، ومن مقوماتها  الإيمان بأنهم أصحاب دين سماوي ، وكتاب منزل من عند الله .

2-  وكل هذه الجرائم  تدخل فى دائرة الشذوذ ، فهي أفعال  وحشية ، لاتتسق مع طبيعة الإنسان السوي  ، كما أنها سلوكيات يحكمها التطرف الذى لايعرف التوقف ، ولا يسمح بالإعتدال .

3-  ومرتكبوها فقدوا الشعور بحرمة الزمان فواصلوا القتل والتدمير والتخريب والتنكيل فى رمضان ، وأعياد المسلمين . وفقدوا الشعور بحرمة المسجد الأقصى فدنسوه بدخوله ، ودمروا كثيرا من المساجد ورفضوا الاستجابة للقرارات الدولية ، ولم ينفذوا قرارا واحدا.

ومازال الجنون الصهيوني يواصل " شذوذاته " بالقتل والتدمير والتنكيل... فى صلف وغرور ووحشية .. ألست معي  أيها القاريء فى أن جنون هؤلاء قد فاق بملايين المرات ما أطلق عليه جنون البقر ؟!