غايةُ الحَياةِ
غايةُ الحَياةِ
مصطفى حمزة
أغلبُ الناسِ يَعيشون عيشتي التي أعيشُها ، نهارُهم كنهاري ، وليلُهم مثلُ ليلي ومتاعبُهم تُشبه متاعبي ؛ جُلّ همّهم في هذه الحياة تحصيلُ لُقمةٍ كريمة لهم ولِعِيالِهم ، ثم الإحساسُ بالأمان ..
أولئكَ الذينَ هُم مثلي قدْ يقضون أعمارَهم في ملاحقةِ أمنيةٍ مُتمنّعة ، وفي انتظار فُسحةٍ في العيشِ تكشفُ عنهم بعضَ الضيق ، ويتنفّسون فيها بعضَ الهواءِ النقيّ .. وقد تبقى تلك الفُسحة أملاً عزيزَ المَنال !
ويجلسون – كما أجلس أنا – وأكفُّهم تسند الذقون ؛ يتفكّرون في أحوالهم ويتساءلون : تُرى ألأجلِ ِ هذا خلقنا الله العظيم ؟!
ألأجلِ همٍٍّ يتركنا ، لِهَمٍّ يأخذنا ؟!
ألأجلِ حسرةٍ في القلبِ ، وحسرةٍ في العَيْن ؟!
هل خلقنا اللهُ لِنُحْرقَ بمرارة واقعٍ لئيم ، ونقلقَ على آتٍ مجهولٍ لا أمانَ فيه ؟!
أولئك الذين هُمْ مثلي هواجسُهم كهواجسي هذه .. وخواطرهم هي كخواطري هذه ..
ولكنّهم مؤمنون – مثلي – بعدالة الخالق – جلّ في عُلاه – وبحكمته في إرادته وقَدَره ..
وإذاً ، فلماذا نحنُ في هذه الحياة ؟ لماذا نحن نحيا ؟ وماذا ننتظر ؟ ما الحكمةُ في عيشنا نحن في عذاباتنا ، في آمالِنا اللئيمة ، في قلقنا الآخذِ بعضُه برقابِ بعض ؟!
" وما خلقتُ الجِنّ والإنسَ إلاّ ليعبـدون "
جوابٌ مسـطورٌ في كتاب الله العظيـم منذُ قرون ، تَلَوْناه كثيراً أنا والذين هم مثلي في كَبَدِ ونَكَدِ عيشِهم ؛ ولكننا لم نقرأه ! حجبه عن عقولنا وعن قلوبنا همُّ عقولِنا وقلوبِنا ، همّ الحياة !
هكذا : " إلاّ ليعبدون " ، فليست الغايةُ – إذاً – من عيشِنا أن نُحقّقَ ما تصوّرناه منذ الصّغر من غِنىً وجاهٍ ، من عِلْمٍ وشهاداتٍ ، من مُدُنٍ فاضلةٍ لأناسٍ فُضلاء ..
ليست الغاية – إذاً – من كَدْحِنا في معيشتنا الضنكِ هذه أنْ نُغيّرها إلى أخرى ناعمة رافلة بالحرير .. ليسـت الغاية أمنـاً ولا أماناً .. أو ما جهد في البحث عنه فلاسفة الأرض جميعاً ..الغاية هي هذه " لِيَعْبدون " ليسَ إلاّ ، كما قرّرَ مَنْ أوجدنا ، وأوجدَ الحياةَ فينا ..
فحياتُنا – إذاً – ليست ملهاةً وعَبَثاً ، ولو ظنناها كذلك ، في دُوارِ السّعْيِ ..
وليست عذاباً في عذاب ، ولو بَدَتْ لنا في معظم الأحيان كذلك ..
ونحنُ لسنا على هامشِ الوجود ، ولو كنّا فقراءَ ، تُعساء ، بائسين .. لاهثين .. لا آمنين ولا مطمئنّين ..
نحن لسنا دونَ أيّ غنيٍّ أو قويٍّ في تحقيقِ غايةِ الوجود ، ما دُمنا جميعاً عِباداً ، وما دامت غاية وُجودِنا " العِبادة " ..
فالقضيّةُ من قبلُ ومن بعدُ ، وفي كل آنٍ ؛ قضيّةُ إيمان .. إيمانٍ راسخٍ وواضحٍ ، نعرفُ من خلاله أنّ الوسيلة التي تجعل منّا مخلوقين فاعِلين في هذا الوجود ليست هي – حصراً – الإمكاناتِ المادّية ، بكلّ مفرداتها ..
فنحنُ مادمنا نأمر بمعروف وننهى عن منكر ، ونحن نستطيع ذلك ، ولو بأضعف الإيمان ..
ونحنُ ما دمنا نسعى في طريقٍ حلالُه واضح ؛ لجلبِ منفعةٍ لنا ودرءِ مضرّةٍ عنّا ، ونحن نستطيع ذلك السعيَ ، ولو لم نصل إلى مُبتغانا ..
ونحن ما دمنا نعتقد أن كلمةَ اللهِ هي العُليا ، وكلّ ما عداها سُفلى ، ونجهدُ لإعلاء كلمة ربّنا – سبحانه – ولو لم نستطع ذلك إلا في نفوسنا ..
ما دمنا نفعل ذلك فنحنُ نعبد الله ..
وما دمنا نفعل ذلك ؛ تسعى إلينا الطمأنينة بنفسِها لتخبرنا بأننا نحن وحسب مَن يعيشُ الغايةَ الحقّة من الوجود على هذه الحياة ..
ولْيَعِشْ غيرُنا غاياته التي يظنّها ..