محمد ومعجزة الخلود الإنساني
عدنان
ميلادك يا رسول الله ذكرى ما أعظمها من ذكرى! إنه ميلاد للحقيقة الإنسانية والكرامة البشرية· يقول (أميل درمنغم): "إذا كانت كل نفس بشرية تنطوي على عبرة، وإذا كان كل موجود يشتمل على عظة، فما أعظم ما تثيره فينا من الأثر الخاص العميق المحرك الخصيب، حياة رجل يؤمن برسالته فريق كبير من بني الإنسان"· لذا نقول ما أحوج البشرية اليوم إلى محمد (صلى الله عليه وسلم)، يصرخ فيهم صرخة الحق كيما يفيئوا إلى منهج الله تعالى·
وميلادك يا رسول الله يوم من أيام الخلود، يجدد للبشرية إيمانها وكرامتها· واحتفاء الأمة بذكراك واجب يمليه الحب والوفاء والإيمان، طالما كان احتفاءً يذكِّر الناس بخصالك الحميدة وأخلاقك العظيمة وعبقريتك الفذة وعظمتك الخالدة، ويدفع المؤمنين إلى التأسي بسيرتك والاهتداء بسنتك· "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر"·
إن كل شيء يُذكِّر برسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو يشوِّق النفس للاقتداء به مطلوب ومحبوب، ففضلك على الإنسانية عظيم وكبير، وآثارك في الوجود واضحة بينة لا ينكرها إلا مبغض أو جَحود·
مَن ينكر أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) بُعث بهذا الدين وتحرك به حركة الحياة·· ملاحقة للمتغيرات واستجابة للتحديات وحضوراً دائماً وفاعلاً في مواجهة الأحداث والتطورات؟؟
ومَن أحق من محمد (صلى الله عليه وسلم) أن تُتلى محاسنه وفضائله ومآثره في المحافل والمجتمعات، أليس هو الإنسان الكامل في الوجود، أليس هو الأسوة الحسنة للعالمين؟!
وحياة محمد (صلى الله عليه وسلم) كلها دروس وعبر، ومن واجب الأمة التي استنقذها الله به من الضلال والجاهلية وهداها إلى الطريق الأقوم أن تعرف لهذا الرسول حقه وفضله وقدره، وأن تُعَرِّف الناس به وبدعوته ودينه من خلال تجسيد قيمه وأخلاقه وسلوكياته في حياتها·
وجدير بالمؤمنين والأحرار أن يعوا سيرته وأن يستلهموا من حياته الدروس والعبر، إقبالاً على الحق واتباعاً للنور الذي أنزل معه وانقياداً للقيادة الفذة التي ما فتئ العقلاء والمفكرون في كل أمة يعترفون بعظمتها وعبقريتها··
يقول (مكسيم رودنس): "إنه بظهور عدد من المؤرخين الأوروبيين المستنيرين في القرن الثامن عشر بدأت تتكامل معالم صورة هي صورة محمد الحاكم المتسامح والحكيم والمشرع<، ويقول (جورج سارتون): >إنه لم يتح لنبي ــ من قبل ــ أن ينتصر انتصاراً تاماً كانتصار محمد"·
ولِمَا تركه محمد (صلى الله عليه وسلم) من أثر خالد في الواقع الإنساني يقول (نصري سلهب): "تراثك يا بن عبدالله ينبغي أن يُحيا، لا في النفوس والقلوب فحسب، بل في واقع الحياة، في ما يعاني البشر من أزمات وما يعترضهم من عقبات، وميراثك مدرسة يلقى على منابرها كل يوم عظة ودرس، فكل سؤال له عندك جواب، وكل مشكلة ــ مهما استعصت وتعقدت ــ نجد لها في آثارك حلاً"
إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) استطاع أن يحقق معجزة الوجود الإنساني في أمة تحررت من الشرك ومضت على طريق الحق والعلم والإيمان وملأت الأرض علماً نافعاً وعملاً صالحاً، ووطدت في واقع الناس دعائم الحرية والعدالة والسلام·
يقول (إيفلين كوبولد):" كان العرب قبل محمد أمة لا شأن لها ولا أهمية لقبائلها ولا لجماعتها، فلما جاء محمد بَعث هذه الأمة بعثاً جديداً يصح أن يكون أقرب إلى المعجزات، فغلبت العالم وحكمت فيه آجالاً وآجالاً" ويؤكد (غوستاف لوبون) المعنى ذاته بقوله: "إذا ما قيست قيمةالرجال بجليل أعمالهم كان محمد من أعظم من عرفهم التاريخ"
إن النفس الإنسانية لتجد في كل ناحية من نواحيها ملتقى بسيرة محمد (صلى الله عليه وسلم)، لأن حياته خطاب للإنسان كيما يكون مثلاً أعلى في الطهر والسمو والإنسانية· ولا عجب، فحياة محمد بكل جزئياتها من أعظم الأدلة وأقواها على صدق نبوته ورسالته، وسيبقى الإسلام ــ وهو دين الله للعالمين ــ المنهج الذي يحقق للبشرىة سلامها الكبير· يقول (ركس أنجرام): "إني أعتقد أن الإسلام هو الدين الذي يُدخل السلام والسكينة إلى النفس ويلهم الإنسان العزاء وراحة البال والسلوى في هذه الحياة، وقد تسربت روح الإسلام إلى نفسي فشعرت بنعمة الإيمان".
فإذا كان كل مَن عرف محمداً من خلال سيرته يدين له بالإكبار والعرفان بالجميل، فما أجدر هذه الأمة أن تكون صورة صادقة عنه في عقيدتها وفكرها وسلوكها·· تقتفي أثره وتجسد قيمه وتحيي سنته·
اللهم إنا نسألك حبك وحب رسولك وحب العمل الذي يبلغنا حبك، ونسألك أن تحشرنا في زمرة الصالحين ومع سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).