البَرَابِرةُ الجُدُدْ..!!
البَرَابِرةُ الجُدُدْ..!!
إبراهيم سعد الدين
السيد بوشْ ـ زَعيم العالم الحُرِّ وغَيْر الحُرِّ أيضاً ـ كان أوَّل من بَادرَ إلى إدانة العملية الفدائية الأخيرة في القُدس الغربية، واصِفاً إيَّاها بـ "العمل البَرْبَرِيّ"..!! مائةٌ وثلاثون شهيداً ـ ثُلثُهم من الأطفال الصِّغار والرٌّضَّعْ ـ وأكثر من ثلاثمائة جريحٍ تناثرت أطرافهم وأعضاء أجسادهم، ورَوّت دماؤهم أرض غَزَّة من مشرقها لغرْبها، ومن أقصى شَمالها لجنوبها ـ لَمْ تُحَرِّكْ في جسَدِ السَّيِّد بوشْ شَعْرَة. ومشاهدُ القَتْل والاغتيالِ والتَّرْويعِ والاعتقالِ والتَّشْريد التي أصْبَحَتْ روتيناً يوميّاً تُمارسه إسْرائيل بِدَمٍ بارِدْ ـ في غَزَّة والضِّفَّة الغربية ـ لمْ تُطْلِقْ لسان السيِّد بوش من عِقَاله ليَتَطوَّعَ بكلمة استنكارٍ أو حتَّى كلمة "أسف" التي يجود بها قاموس الدبلوماسية الغربية والعربيةٍ في توافقٍ غريبٍ ومُريبْ. وجرائم الاحتلال الصُّهيونيّ في غَزَّة التي هي ـ حسب توصيف كل منظمات حقوق الإنسان في العالم ـ جرائم ضدّ الإنسانية، من حصارٍ وَحْشِيٍّ وتَجْويعٍ وإغلاقٍ للمعابرِ وقَطْعٍ للكهرباء والنَّفطِ والماءِ، ومَنْعٍ لوصولِ موادّ الإغاثة من أغذيةٍ وأدوية واحتياجاتٍ إنسانيّة ـ كُلُّ هذه الأفعالِ المُجَرَّمة دَوْلِيّاً لا تستَحِقُّ من السيد بوش وإدارته ـ التي آن لها أن تَجْمَع متاعها وتَرْحَلَ عن بيتها الأبيض لتَسْتَقِرَّ في أشَدِّ الصَّفحاتِ سَواداً ودَمَوِيَّةً وإخفاقاً في التاريخ الأمريكيّ ـ ذَرَّةَ إحساسٍ بالتعاطفِ أو وَخْزِ الضَّميرْ، فهي في مفهوم هذه الإدارة إجراءاتٌ للدِّفاعِ عن النَّفسْ..!! أمَّا عمليَّة القُدْس الغربية فهي ـ في عُرْف السَّيد بوش وإدارته التي تستحقُّ عن جَدارة لقَب الإدارة الأسْوَأ في تاريخ أمريكا ـ عَمَلٌ بَرْبَريّ..!!
على أيَّة حالْ لم يكن أحدٌ في وطننا العربيّ يُؤَمِّلُ في غَيْر هذا الموقف المبدئيّ الثَّابت للإدارة الأمريكية. فالقوّات الأمريكية تُمارسُ نفسَ النَّهج في العراق، وترْتَكبُ الجَرَائمَ ذاتها، حتى وصل عدد ضحايا الغزو الأمريكيّ إلى أكثر من نصف مليون شهيد عراقي حسب الإحصاءات المنشورة بالصُّحف الأمريكية. بل لَعَلَّ جرائمَ الإبادة الوحشية لشعوبٍ وحضاراتٍ بأكملها هي ـ تاريخِيّاً ـ صناعةٌ وطنيّة أمريكية لا يُنافسها في جَوْدتها غير الممارسات الصهيونيّة في الأرضِ المُحْتَلَّة.
بَعيداً عن تصريحات السيد بوش وبياناتِ إدارته المَوْتورة، وإلى أولئك الذين يُمَصْمِصون شِفاههم أسَفاً لتصاعد العنف في المنطقة: المَدارسُ الدِّينية في إسرائيل هي مراكز لتفريخِ العُنْفِ والتعصُّب العُنصريّ، ومُسْتَنْبَتَاتٌ لزَرْعِ الكراهية والحِقْد ضِدَّ العربْ، هُناكَ يشَكِّلون وَعْيَهم ويُغَذُّون تطرُّفهم وعُدْوانيَّتهم لِيُصْبِحوا أدواتٍ جاهزة ومشْحوذة لارتكابِ المجازر والمذابح وعمليّات الإبادة ضِدَّ العرَبْ. والعَمَلِيَّة الفِدَائية الأخيرة هي رَدُّ فِعْلٍ طبيعيّ لِكُلِّ الجرائم الوَحْشِيَّة التي ترتكبها قوّات الاحتلال الصهيونيّ في فلسطين المُحْتَلَّة، وهي ثَمرةٌ للتَّوَاطؤ الأمريكيّ المكشوف، والصَّمتِ الدَّوْليّ المَشْبوه والجَبَان، والعَجْز العَرَبِيِّ المُخْجِل والمُهينْ. فلا تَلوموا الضَّحِيَّةَ التي أغلقتُم بينها وبين السَّلامِ كُلّ المنافذ، ولوموا أنفُسَكَمْ أوَّلاً ثُمَّ لوموا البَرَابِرة الحَقيقيّين الذين يُشَرِّعون ويستبيحون لأنفسهم ارتكاب أبشعَ الجَرَائمِ في حَقِّ العَرَبْ، ويُطالبوننا بالتماسِ البَرَكة من البيت الأبيض، الذي أصْبَحَ سِجُلُّ تاريخه أشَدَّ سَواداً من "قُرونِ الخَرُّوبْ" كما يقول المَثَلُ الشَّعْبيّ.