لحظات هاربة
فاطمة فاروق مشوح
هي الآن تبحث عن عيدٍ قديم،كانت تحس في أيامه بانشراح الصِبا ... وطيش الطفولة، ولهو الغضارة كأي فتاةٍ في مقتبل العمر تحب الربيع بزهره ونهره وفراشاته الرشيقة الزاهية...
في العيون سحر التفاؤل .. تستطيع أن تخترق من خلاله السحب المتراكمة لترى القمر لتراه بدرا كطلعة وجهها الباسم .. بخاطر صافٍ ؛ كما صفحة الماء تعكس إشراقها...
في عالَمها نقاء قلب ، كنسيم صباح أرِج ، طهارة مشاعر ، كدفء أصيل صافٍ ، براءة باطن كصدق نبي مرسل ، عفّة لسان ، كرضيع يبحث عن ثدي أمه ...
علَّ هذا يعود، ليريحَ عقلها المتعب، ويهدئ وجدانها الحائر ويسكن ولهها الثائر ويطفي ضراما في نفسها أشعلته الأيام .. أواه كيف تخلق الأيام في نفس الطفل القيود وكيف تذكي في داخله نارا تلظى بين جنبيه وكيف تدثر نفسه بالسواد .. فلا يرى إلا السواد .. ولكن يبدو أن الطفولة تمزقت كما تمزقت أشلاؤهم في جنين وبغداد .. ودُماهم من حولهم تبكي دمائهم .. عليها مسحة الحزن .. وكثافة التراب ..
وبالرغم من قصر تجربتها في الحياة ؛ إلا أنَّ عالَمَها النقي شابه طائف من الهم والحزَن ، وعينيها الصافيتين قد التمع فيهما الدمع كأنه السلسال الجاري ، وجبينَها الَألِق قد تقطب حتى اختُزلت براءتُها وراء السنين فتبدلت تلك الأيام ورافق عينَها السهاد ، واستوطن قلبها اليأس ، واعترى نفسها الملل ، وتأججت داخلها العواطف، وغرقت في عالم من الضباب المحيط بها فحالها:
يا كوكباً ما كان أقصـرَ عمرَه وكذاك عمـرُ كواكب الأسحارِ
وهلال أيامٍ مضى لم يستدر بدرا ولم يمهل لوقت سرارِ
يبدو أن هلال اللحظات الجميلة لا ينتظر حتى يصبح بدراً يضئ الليالي الكالحة...!!