النور
أنمار محمد محاسنة *
هل حاولت أن تدخل غرفتك ليلة من الليالي وتطفئ الأنوار كاملةً فلا تدع منفذاً للضوء يصل إلى عينيك؟ ماذا كان يتشكل فيهما للوهلة الأولى؟ سوادٌ كاملٌ يغطي محيط الإبصار، ونقاطٌ بيضاء كقطع الفسيفساء تتشكل في بصيرتك ثم تنقشع رويداً رويداً إلى أن يكتمل السواد في عينيك ... هل حاولت أن تلمس الأشياء من حولك؟ ... أن تسير في الغرفة من دون ضوء ـ على الرغم من أن عينيك مفتوحتان ـ ؟ ... كنت تسير وتتخبط بكل شيء يعترضك وتحاول أن تترك في مخيلتك أثراً لمكان وشكل هذا الشيء لكي لا تتعثر به مرة أخرى .... مضت فترة من الوقت وأنت تسير دون هدىً إلى أن ضاقت روحك من هذا السير وأنت تحاول أن تشعل النور وتـُرِحْ عينيك ومخيلتك من هذا التفكير المعقد لمكنونات الأشياء ... إلى أن تصل لمرحلة تعتاد فيها يداك وقدماك على السير دون نور ... وتعتاد عيناك على الإبصار دون نور ... ويعتاد عقلك على التفكير دون نور ... فلم تعد تضجر أو تغضب ... لأنك أصبحت تسير في صراطٍ مستقيم دون نور ... فتشعر بتيارٍ عالٍ من الثقة بالنفس يعبر جسدك وروحك يحرك فيك حب الاستمرار والمتابعة دون نور ... فإنك قمت بجهدٍ لا يستطيع أن يمارسه غيرك أحد ... فالنور أصبح يسكن مخيلتك فلونت به الأشياء في لوحةٍ لا تتغير تفاصيلها.
هذا الشعور الذي انتابك هو نفس الشعور الذي يراود فكر الضرير، فهو يسكن غرفة مظلمة دهراً كاملاً، فإذا أنت شعرت بالاعتزاز والفخر والتميز عن غيرك لأنك استطعت السير في غرفتك مدة ساعات ... فما بالك بشعور من يسير في كونٍ مظلم دهراً كاملاً؟!!!
*هندسة اتصالات