وحش العصر الجديد

سحر أبو ليل

[email protected]

تباً لسذاجتي ..فأنا لم اعرف قبل اليوم ان لا خط في الدولة يدعى خطاً اخضراً ، وأي اخضر وأي اصفر؟ حين تجد نفسك واقفاً كالقزم امام جدارٍ يتجاوز ارتفاعه السبعة امتار وعرضه ما فوق الثمانين مترا ايضا !

لقد تبعثر جزء كبير من قلبي وتناثر نبضي في الهواء حينما وقفت ورفاقي في منطقة بيت لحم وبدأنا نبحث عن الكلمات وكأننا اصبنا بشلل لفظي شعوري ما امام هذا العملاق الذي لا يشعر ، هذا الذي التهم نصف اراضي الضفة الغربية ، وقتل قلقيلية في الصميم بعد ان عزلها عن باقي الاراضي الفلسطينية ، وماذا سيكون شعورك حين تقف في بيت لحم وترى بأم عينيك كيف دخل الجدار واغتصب المدينة ومزق فستانها وشقه من الوسط تحديداً ، ليصير السكان هناك (شي بالشرق وشي بالغرب !).

هو وحش اسطوري ، مقرفٌ بوقفته العنجهية الهمجية ، بأسلاكه اللولبية ، مقززٌ بخنادقه واسفلته ، مثيرٌ للاشمئزاز بارتفاع ومعدات انذاره الالكترونية ، مثيرٌ بحرارة الجلد ..للفكر..برمله الناعم الذي اعد خصيصاً للكشف عن آثار المتسللين ، وأنت تقف امامه بدهشةٍ حتى تكاد تجثو خلايا دماغك بهذه اللحظة لايقانك ان اخوانك يعششون كما العصافير الحزينة داخل الاسلاك الشائكة والخنادق و الكنتونات البائسة .

ولا زلت حتى هذه اللحظة  مستغربة ومشتتة في ازقة التفكير فلماذا تحتاج هذه المؤسسة لمثل هذا الجدار؟ ألهذا الحد تنقصنا خطوطا وحواجز؟ ام ان اسرائيل لازالت تؤمن بالفصل بين "قطعان البشر" ؟

هو ذاك الفلسطيني يخرج من بيته باحثاً عن لقمة عيشه ، او عن غرفة في مشفى قد تأويه او تضمد جراحه وقد لا يجدها ، وماذا يملك هذا البائس؟ قصرٌ؟ سيارة " آخر موديل" ؟

لا يملك شيئاً سوى تلك الارض التي سرقوها ونفضوا سجائرهم على صدرها !

ان الحداثة اليوم كسرت اقفال النص وفجرت قلوب الجدران واسقطت اسواراً وحدوداً عديدة ، فلا ننسى سقوط جدار برلين في التسعينات ..فبماذا تتغنى هذه المؤسسة؟ بجدار اصم " لا يسمن ولا يغني من جوع!" بأمنٍ يدعونه؟ فها هي عملية قد تمت قبل اسبوع ..فأين هو هذا الجدار؟

كلنا يعلم ان معظم الذين يقومون بهذه العمليات يمرون عبر الحواجز والممرات وليس عبر المناطق التي بني بها هذا الفاصل ..هذا القذر البارد ، فتباً لهذه الترهات والأكاذيب !

هي حدود رسموها ودولة قتلوها قبل ان تولد..فماذا سيبقى على طاولة المفاوضات؟ نصف الاراضي؟ ام كنتونات ترثي حظها؟ فهنيئا يا ابا مازن ونخبك يا شعبي ..لكن ما عادت تعنيني هذه المسرحيات والسيناريوهات الساقطة !