ماذا يعني انتمائي للإخوان

السيد شعيب

باحث في الفلسفة الإسلامية

[email protected]

الانتماء للإخوان المسلمين هو انتماء للإسلام كما يفهمه الإخوان المسلمون ،وليس في ذلك تعصب أو تحزب أو انتقاص من الآخرين ممن لا يحملون نفس الفكرة ،وهو انتماء للإسلام في شموله وعمومه وكماله وتمامه والإيمان به دستورا للحياة .

فإذا قيل لماذا التنظيم؟ قلت هو وسيلة وليست غاية للحفاظ على الفكرة واستمرار بقائها ،فبقائه مرهون بقيام الدولة الإسلامية وتطبيق شرع الله في الأرض ،ولا يعنينا أن يكون الناس من الإخوان أو لا يكونوا فالمهم أن تكون كلمة الله هي العليا.

والإخوان المسلمون جماعة غنية عن التعريف ، وتاريخ حافل بالأحداث والوقائع

وتراث زاخر بالفكر والدعوة وموسوعة حية متجددة غنية بالفكر والعلم واللغة والأدب والرياضة والفن والوطنية والفقه والشريعة والسياسة والاقتصاد والثقافة والتاريخ ..إلخ

لغزا لم يحل!

هذا كله وما زالت الجماعة بالنسبة للكثيرين لغزا لم يحل وفكرة غامضة بالرغم من أن الإمام البنا قد قضي سني عمره في تعريف الناس بدعوته وكتب في ذلك عشرات المقالات والرسائل  وخطب مئات الخطب في المؤتمرات والحفلات ليشرح للناس ماهية الإخوان وأهدافهم ومبادئهم وأهدافهم

نعم مازال البعض ينظر إليها بعين الرهبة والحذر على اعتبار أنها البعبع الإسلامي القادم

في حين يعتبرها البعض الآخر مجموعة من الانتهازيين الوصوليين الذين يتسترون بالدين لتحقيق مآرب خبيثة أو إنهم "عالم فاضية" لا هم لهم إلا المظاهرات وحب الظهور والخروج على القانون

وقليل من الناس من يفهم الإخوان على حقيقتهم ويحيط بهم من جميع جوانبهم

مع الأستاذ فاروق جويدة

ولقد هالني ما قرأت للأستاذ الفاضل فاروق جويدة في جريدة المصري اليوم في وصفه جماعة الإخوان بأنها تحتكر الدين في مقابل الحزب الوطني الذي يحتكر السلطة وقوله :"أسوأ ما في مصر أن الوطني يحتكر الوطن والإخوان يحتكرون الدين  .فالحزب الوطني والإخوان لا يريدان حوارا لذا فأطالب الحزب الوطني بالتخلي عن أنانيته والإخوان بالتخلي عن لافتة الدين(المصري اليوم 13/2/2008)

فالقول باحتكار الإخوان للدين محض افتراء لأنهم لم يكونوا يوما ما مثل رجال الإكليروس في الدين المسيحي

ولم يدعوا يوما أنهم وحدهم أصحاب الدين وأوصياء الشريعة بل كانوا رجال دين وفكر وعلم وسياسة وفقه وأدب ولغة ونظر وفن كما أن وضعهم مع الحكومة فسلة واحدة ومساواة الجلاد بالضحية  أو الذئب بالحمل أمر غير مقبول شرعا ولا منطقا ولا قانونا

مع الدكتور عمرو الشوبكي

كما دعا الدكتور عمرو الشوبكي الباحث بمركز الأهرام الاستراتيجي في إحدى مقالاته بالمصري اليوم الإخوان المسلمين إلى عمل مراجعات فكرية وفقهية على غرار مراجعات الجماعات الإسلامية الأخيرة واصفا الجماعة بأنها لا تدرك أهمية هذه المراجعات وأن أفكارها تحتاج إلى مراجعة كثيرة مثل موقفهم من التنظيم الخاص واغتيال النقراشي وقرارهم عدم الفصل بين الدعوة والسياسة ...إلخ(المصري اليوم 30/1/2008)

والحقيقة أن هذا الفهم مغلوط تماما لأن حوادث القتل والاغتيال حوادث فردية لها مبرراتها  فلا ينبغي أن تحسب على الجماعة كما أعلنت الجماعة عدم تحملها مسؤلية هذه الحوادث الفردية وقديما اغتيل أحمد ماهر باشا على يد أحد أفراد الحزب الوطني ولم يقل أحد إن الحزب الوطني كله آثم !

مع المستشار طارق البشري

ولقد أعجبني ما قام به المفكر الإسلامي المستشار طارق البشري حين أعاد قراءة الرسائل وقدم شرحا لها من خلا تصوره وفهمه هو سماه قراءة في كتابات الأستاذ حسن البنا  وقال فيها :"حاولت أن أعبر عن قراءتي الذاتية لهذه الأعمال بما أتصوره يقيم جسر تفاهم فكري...وما أتصوره يصلح امتدادا طبيعيا لا فرع من الشجرة ذاتها مما لا أظنه ينفصل عن جزعها... حاولت بهذه الصياغة أن ألخص ما أظنه أطر النظر السياسي الاجتماعي الذي يصدر أو يمكن أن يصدر عن هذا الفكر(مركز الإعلام العربي المشروع الإصلاحي للإمام حسن البنا ص:40).

فحبذا لو سلك  المفكرون والكتاب هذا النهج فاقتربوا أكثر من تراث الجماعة الفكري والشرعي والأدبي وتجردوا من الأهواء والأغراض اللهم إلا نشدان الحقيقة وإقامة جسور تفاهم وحوار بناء مع الإخوان

الانتماء للإخوان

لقد كتبت هذا المقال لا لأتحدث عن مبادئ الإخوان فقد كفانيها الإمام البنا وأعلام الإخوان ولكني أحاول أن أقترب أكثر من الناس عامة ومن المفكرين خاصة لأبين وجهة نظري في قضية أو فكرة الانتماء للإخوان وماذا تعني؟

الأمر ببساطة شديدة أن كوني من الإخوان يعني أنني أشترك مع الناس في أشياء وأختلف معهم في أخري أشترك معهم في هويتي وانتسابي لهذا الدين العظيم وألتزم به قلبا وقالبا وأتبع سيرة النبي العظيم ،كما أشترك معهم في وطنيتي وحبي لوطني مصر فأنا وطني شديد الحب لمصر وأسعى لرفعتها

ولقد أعجبني جدا قيام طلاب الإخوان بمظاهرة في جامعة القاهرة تأييدا وفرحة بحصول المنتخب المصري على كأس الأمم الأفريقية للمرة السادسة

كما إني ابن مصر لم أكن يوما من الأيام عدوا للوطن أو جاسوسا أو عميلا لدولة معادية وتاريخ الإخوان الطاهر الصفحات يشهد بذلك فلقد تعلم الناس الوطنية في مدرسة الإخوان.

وأختلف معهم في إيماني ويقيني في أن الإسلام منظومة حياتية متكاملة يعني بالسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والفن والرياضة  والأدب لذا فأسعى إلى تحقيق ذلك والدعوة إليه على أرض الواقع

وأزيد على ذلك أنني أومن بالعمل الجماعي لا الفردي لما فيه من تكثيف الجهد وتوحيد الصف واختزال الوقت والجهد والتضحيات ولا أنكر على غيري انتماءاتهم الإسلامية أو الوطنية ما دام الكل يعمل لصالح الوطن والدين والمسلمين ولقد قال الإمام البنا: كل هيئة تحقق بعملها ناحية من نواحي منهاج الإخوان يؤيدها الإخوان في هذه الناحية وتوجه إلى الغاية بتقويتها لا بإضعافها

كما رحب بكل فكرة ترمي إلى توحيد جهود المسلمين في سائر بقاع الأرض

الإخوان فكرة ودعوة

يظن البعض أن جماعة الإخوان هي جماعة المسلمين التي ينبغي الانضواء تحت لوائها والانتساب إليها وهذا خطأ كبير  كما يظن الآخرون أن الجماعة حزب سياسي أو جماعة متعصبة لفكرتها توالي وتعادي من أجلها وتسعى للتفرد بالزعامة الدينية أو السياسية أو الوطنية وهذا أيضا خطأ كبير لأن الإخوان فكرة ودعوة فكرة إسلامية إنسانية عالمية بعيدة كل البعد عن التعصب أو الإقليمية أو العنصرية أو الحزبية وإنما إطلاق لفظ الجماعة عليها لفظ اعتباري لأنها مجموعة من الأفراد الذين يحملون فكرة ما

إنها بعيدة كل البعد عن الأسماء والمسميات والتوصيفات المختلفة التي تحصرها أو تعزلها حتى إن الإمام البنا حين أطلق عليها اسمها ليميزها لم يميزها إلا بصفة يشترك فيها المسلمون جميعا باختلاف طوائفهم وأجناسهم وثقافاتهم ولغاتهم هو "الإخوان المسلمون"

كما أن شعاراتها ومبادئها مستقاة من الإسلام وتصب في خدمة الإسلام والمسلمين فكل من تحققت فيه شمولية الدين وربانيته وعالمية الإسلام فهو من الإخوان فكرا لا تنظيما وهو ما يرمي إليه الإخوان أن يفهم الناس الإسلام فهما صحيحا ويطبقوا تعاليمه تطبيقا شاملا وليسموا أنفسهم ما يشاءون وهذا واضح عند الإمام الإمام البنا حين عبر عن دعوة الإخوان بدعوة الإسلام وقال للإخوان :"أنتم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله وصوت داو يعلو مرددا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم (رسالة بين الأمس واليوم ص:101)

وقال أيضا:أيها الإخوان:  لب دعوتكم فكرة وعقيدة تقذفون بها في نفوس الناس ليتربى عليها الرأي العام وتؤمن بها القلوب وتجتمع حولها الأرواح تلك هي العمل للإسلام والعمل به في كل النواحي (رسالة دعوتنا في طور جديدص:188)"

ليسوا ملائكة

كما أن انتمائي لجماعة الإخوان لا يعني أنني معصوم من الخطأ والذنب فهذا خطأ كبير فليس معصوما إلا النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة الإخوان جماعة بشرية يجري عليها الخطأ والنسيان والمعصية غير أن أعضائها يأخذون بالعزيمة ويتجنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم كما أنها جماعة لا تختلف عن البشر فيما يحملون من صفات نفسية أو إنسانية أو خلقية بيد أن أفرادها يسعون دائما إلى التخلق بالأخلاق الإسلامية والشمائل النبوية

الجماعة من الداخل

يظن البعض أن العضو في الإخوان يسمع ويطيع دون نقاش كالميت بين يدي مغسله كما يظن آخرون أن الجماعة تعاني من صراعات مريرة وانشقاقات داخلية ويسمونها بصراع الشيوخ والشباب أو صراع الأجيال

والحقيقة أن كلا الظنين يجافي الحقيقة لأن نظام الجماعة قائم على الاختلاف في الرأي وتبادل وجهات النظر وهذه ظاهرة صحية والدليل على ذلك هو موقفهم من القضايا الفكرية ذات الخلاف مثل قضية تولي المرأة والأقباط الرئاسة وغيرها

محمد أبو تريكة

من الأشياء المضحكة المبكية في آن واحد هو الحساسية المفرطة تجاه الإخوان المسلمين

 فإذا وجد الناس إنسانا مستقيما أو ناجحا في حياته أو مرموقا في مركزه انطلقت ألسنة التشهير واللمز والغمز وأشارت إليه أصابع الاتهام "إنه من الإخوان" كيما يبتعد الناس من حوله أو تلفق له التهم كما قال تعالى على لسان قوم لوط:( أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)

أو على حد قول النابغة الذبياني:

ومولى جفت عنه الموالي كأنما           يرى وهو مطلي به القار أجرب

هذا ما حدث مع اللاعب الخلوق محمد أبو تريكة فقد أشيع عنه مؤخرا أنه من الإخوان المسلمين لدماثة خلقه وتواضعه وأدبه الجم ومشاركته قضايا إخوانه في غزة  ،ولكن سرعان ما نفا أبو تريكة هذه "الشائعة" أو "التهمة" كيلا يمسه سوء أو مكروه  وأكد ذلك الدكتور عصام العريان خوفا على مستقبل اللاعب

مغنم أم مغرم؟

ويتسائل الكثيرون ما جدوى انتمائك للإخوان وهي جماعة محظوررة الانتماء لها تهمة والعمل معها مصيبة بل جريمة يعاقب عليها القانون؟

وما جدوى المشاركة في المظاهرات والتعرض الضرب والبهدلة والاعتقال وضياع المستقبل

, ما السر في ذلك؟؟؟

ليسوا من الإخوان

السر في ذلك هو الإيمان بالفكرة والعيش من أجلها والشعور بقيمة الحياة والرسالة التي جئنا من أجلها وهذا هو ما يحمل الإخوان وغيرهم على القيام بمثل ذلك رغم انتماءاتهم المختلفة من أمثال المفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري والدكتور أيمن نور والصحفي القدير الأستاذ فؤاد قنديل والمستشارة نهى الزيني والأستاذ وائل الإبراشي والأستاذ إبراهيم عيسى وغيرهم ممن تفرقهم الانتماءات والأفكار وتجمعهم القضايا الكبرى قضايا الوطن والإحساس بالمسئولية وتكاليف الرسالة سواء كانت هذه الرسالة قضائية ،أو صحفية أو وطنية أو إسلامية

هذه هي معاني الانتماء أو الانتساب للإخوان المسلمين من وجهة نظري الشخصية.