الورقةُ الوَاحِدَةُ وَالثَلاثُونْ
ماجد بن سليمان
ابنَةَ أمي وأبي:
الآن وبعد أن سَقَطت الورقة الواحدة والثلاثون من عمري، ويعد أن امتلأ وِعَاءُ حياتي من التجارب المقيتة ، وقفت على جُرْف التساؤل ، وأخذت الذكريات تَحْدُوا رَكْبَهَا نَحْوي ، وكل ناقةٍ من نوقِ هذا الركب أرى من فوق سنامها أيامي العِجَاف ، ولياليّ المدبرات بفرحها وحزنها.
ابنَةَ أمي وأبي:
ما أشد حنيني إلى الرجوع إلى الطفولة، وما أقسى سجن الكِبَر ، فلو كانت الدنيا تؤخذ بالأمنيات ، لتمنيت أن أبقى صغيراً ، لتمنيت أن أعدوا في شوارع طفولتي البريئة كما أريد ، لا حسيب ولا رقيب يرقبني بعينٍ تحاول اصطياد الذنب من طفلٍ لا يعرف من الذنب غير اسمه.
ابنَةَ أمي وأبي:
أين تلك الطفلة التي كنت أدفعها بعربتها الصغيرة في مساحات منزلنا المتواضع ، والتي طال ما حَمَلتُهَا فوق أكتافي النحيلة ، وأخذت أجري بها في محيط المنزل الأليف ، أين تلك الطفلة التي ينفلق السرور على شفاهنا حين يعج بالمكان ضجيجها ولعبها.
ما أرحبَ تلك الطفولة وما أزهى أمانيها ، وما أبها حُلَلَ البراءة عند الصغيرين وقتها، أطفال مهما حَقَن المجتمع عقولهم بالحقد والكُرْه ، إلا أن قلب الطفولة لا يقبل حَقْنَاً بغير المودة والرحمة.
ابنَةَ أمي وأبي:
ما بالنا ضَجِرنا من الحياة، وسَئِمْنَا مُجَارَاتَ الأحداثِ المغيظة،هل هو ضعف مِنَّا أم حسرة على مرحلةٍ من عُمْرِنَا ، إنصرمت وانتهى دَورُهَا القصير، تساؤلٌ لا جَوَابَ عليه إلا بمحاولة إغلاق دفاتر الماضي السقيمة.