حمار الشيخ
جميل السلحوت
[email protected]
حمرنة
ومن
اكتشافاتي التي تثبتها الحقائق على أرض الواقع أن الحمير تعتز بحمرنتها أكثر من بني
البشر بانسانيتهم ، أما أنا فإنني أجد أن حمرنة الحمير أكثر أصالة من انسانية البعض
، فالحمير لا تخترق حقوق بني جنسها وتعتبرها من الأمور المسلم بها لأنها فُطرت على
ذلك . أما بنوا البشر فإنهم كعالم الحيوان المفترس ، البقاء عندهم للأقوى ، فالقوي
من البشر يضع قانونه كما يشاء، ويحدد حقوق الانسان كما يشاء ايضاً . ولذا فإنه يحصد
أرواح الآلاف من بني جنسه لاختلاف في الجنس أو اللون أو المعتقد، وهذا ما لا يوجد
في جنس الحمير وبعض الأجناس الأخرى في عالم الحيوان . صحيح
أن
بعض أنواع الحيوان ومنها الحمير تتخاصم فتترافس بحمرنة أكثر لطفاً من انسانية
الانسان، إلا أنها لا تصل الى درجة القتل أو ملاحقة سلالات الحمير كما يفعل البشر
.بل ان الحمير وأصنافاً أخرى من عالم الحيوان فيها نخوة أكثر من بعض السلالات
البشرية ، تصوروا أنني شاهدت بأم عيني غراباً يقع في شباك بعض الصبية الذين ينصبون
شباكهم لبعض أنواع العصافير ، فهاجمتهم أسراب من الغربان وكادت تفتك بهم ، ولم
ينقذهم سوى اطلاق سراح الغراب الأسير ، ورأيت مجموعة من الكلاب تهاجم كلباً آخر
عندما اعتدى على أحد هذه الكلاب .
أما
حماري أجلكم الله ففي احدى نزواته حاول دخول احدى الحظائر ولما حاول الاعتداء على
طعام حميرها انهالت عليه رفساً وعضاً، وعلا نهيقها حتى تجمعت عليه، ولم ينقذه سوى
قوائمه عندما ولى هارباً .
والعبر المستفادة من عالم الحيوان كثيره لكن البشر الذين يتميزون عن بقية الحيوان
بما حباهم الله من عقل متطور لا يتعلمون من الحيوان، فيقعون في سوء تفكيرهم، ولهذا
فإن محسوبكم عندما رفع شعار ( وخير جليس في الزمان حمار ) كان مدركاً أن للحمير
والكلاب والغربان وغيرها أخلاقيات ومفاهيم تتفوق فيها على بعض الأجناس البشرية !!
فما
رأيكم دام فضلكم ؟
نبوغ تيس أدخلنا التاريخ
وانا في طريقي الى رام الله حصل ما لم يكن بالحسبان ، حيث أن زميلي ( الصاحب ) أوقف
سيارته بقربي وأخبرني خبرين سُررت بهما ، أولهما أن صاحب ( تيس ) سنيريا ذبح تيسه
الذي كان يحلب له ثلاثمائة دينار يومياً ، وثانيهما أن تيساً في قريتي عرب السواحرة
قد بدأ يحلب وأن كأس الحليب منه يُباع بمائة دينار على التمام والكمال .
فقررت العودة الى قريتي لأحتفي بنبوغ التيس عندنا ، على طريقة أجدادنا الجاهلين
رحمهم الله ، حيث أن أبناء القبيلة كانوا يحتفلون كلما نبغ من بينهم شاعر ، وقلت في
نفسي أن من حقنا أن نحتفل بنبوغ التيس الحلوب مهملاً حكمتنا الشعبية التي تصف من
يتعنتون ولا يرجعون عن رأيهم الخاطىء بالقول المشهور ( قلنا تيس قالوا احلبوه )
وقلت سنصبح مثل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الذي كافأ ذلك الشاعر الاعرابي
الذي امتدح صولاته في الحروب وشبهه بالتيس عندما قال مخاطباً الخليفة ( وكالتيس في
مقارعة الخطوب ) فتيسنا النابغ الذي زينت صوره صفحات الجرائد أدخل قريتنا الحبيبة
في وسائل الاعلام .
كما
أنه قام بخطوة سلمية رائدة فبعض أبناء عمومتنا اليهود يصطفون على الدور لشراء كأس
من حليبه الذي يداوي العقم كما ذكر لي الزميل الصاحب .
فقلت هذه خطوة رائدة على طريق تطبيع العلاقات بين شعبينا ، وفكرت أن نحذو حذو التيس
وان كنا لا نحلب مثله ، وهكذا عدت وحماري الى قريتنا مزهواً بنفسي أكثر من زهو أبي
زيد الهلالي في صولاته وجولاته ، ولما انصرف الصاحب قال لي أبو صابر هم يستحلبون
السماء والأرض فهذا قمر التجسس ( اوفيك ) يجوب المنطقة يرصد حركات كل ما فيها بما
في ذلك التيوس وأنتم تستحلبون التيوس .
فأضمرت في نفسي أن أقوم بفعله لم يسبقني اليها احد، وسأجعل نفسي نجماً في وسائل
الاعلام المحلية والعالمية ، وذلك أن أقوم بحلب أبي صابر فهو أنيس وحدتي وشيطان
الهامي ، وسأشيع بين الناس بأن حليب الحمار يشفي من كل الأمراض المستعصيه كالسرطان
والايدز ، ولن اكون متواضعاً كأصحاب التيسين الذين باعا الكأس بمائة دينار ، فسأبيع
أنا الكأس من حليب أبي صابر بألف دينار ، وهكذا عدت الى البيت وعلفت ابا صابر
شعيراً وسقيته ماءاً انتظاراً لساعات المساء حتى لا يراني أحد،غربما يسبفني الى هذه
الفكرة، وعندما حل المساء وخيم الظلام، ذهبت الى حظيرة الحمار، وأخذت أتحسس خصيتيه
بحثاً عن أثدائه ، فلا بد أن يكون له ثديان، فالأنثى هي الأصل على رأي الدكتورة
نوال السعداوي ، وأنا لي ثديان كما كل الرجال ، وبينما أنا اتحسس خصيتي أبي صابر،
ظن الخبيث ذلك مداعبة جنسية، فإذا به يمد ( غرموله ) فتذكرت أنه لم يختل بأتان منذ
سنوات اي منذ وقع تحت خدمتي ، ولما وبخته على نزواته الجنسية وعلم قصدي نهق نهيقاً
موجعاً وقال : ابن التيس جدي وابن الحمار جحش، وأنتم معشر البشر تحطون من قيمة
التيس والحمار، فهل ترضون بأن يكون أبناؤكم جدياناً وجحوشاً ؟ فاستحيت وعدت الى
البيت واذا بالأخبار تقول : بأن الحكومة الاسرائيلية قررت مصادرة ثلاثة وخمسين
هكتاراً جديداً من أراضي القدس لبناء مستوطنة جديدة،ورحت عطاءا لبناء 300 وحدة
سكنية جديدة في جبل ابو غنبم ، وأن اسرائيل تطور صاروخاً مضاداً للصواريخ سيكون
متقدماً على ( الباتريوت ) الأمريكي بينما أنا قضيت ليلتي أفكر في كيفية حلب الحمار
، وأتساءل اذا ما كانت النساء يرضين بالحمل من تيس أو حمار ، وكيف يطور أبناء
عمومتنا أسلحتهم النووية في حين أننا نطور أسلحتنا المنوية ، حتى أننا حلبنا التيوس
ونحاول حلب الحمير .
يحدث في اكناف بيت المقدس
وفي
هذا اليوم تلقيت دعوة لحضور حفلة زفاف لأحد أبناء قريتي، فركبت حماري وتوجهت
لمشاركة أهل العروسين فرحتهم، فالعادات لا تسمح بالتغيب عن مثل هكذا مناسبة مهما
كانت الأعذار والاسباب .
ولما وصلت الفرح سمعت غالبية الحضور يتكلمون عن رجولة العريس ونباهته وحرصه وجده
واجتهاده في العمل، مع أنه لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره ، ولهذا فقد اختار له
والداه فتاة جميلة حذقة مجتهدة مجدة مثله، وهي ابنة أحد أقاربه التي سيلحق زواجها
من شخص خارج أبناء العائلة خسارة فادحة بالعائلة الكريمة ، وتحدثوا بفخر عنها انها
كانت الأولى على بنات صفها في المدرسة، وأن معدلاتها في مختلف المواضيع فوق
التسعين، وان معلماتها غضبن عند اخراجها من المدرسة لعشّ الزوجية !! مما حدا بأحد
الحضور ان يفسر ذلك بأنه غيرة النساء، فجزء من المعلمات عازبات بدون زواج، وانهن
عوانس علماً بأن العازبات منهن أعمارهن أقل من 25 عاماً، وهذا التعقيب أثار ضحك بعض
الحضور اعجاباً بفصاحة مكتشف العوانس !!
ولما استفسرت عن الصف الذي كانت تدرس فيه العروس، صعقت عندما علمت انها في الصف
السابع الابتدائي، وأن عمرها لا يتجاوز الثالثة عشرة ، فسألت عن المأذون الذي عقد
عليها القران، وعن القوانين التي تسمح له بمثل هذا العمل ؟؟ فأجابني والد العريس
بأنه عقد شفوي !! فقلت له على طريقة ( انت على حجر وهو على حجر فهل تقبلينه لك ذكرا
) فضحكوا سخرية مني، متهميننني بالجهل وعدم ادراك الأمور !!
فكظمت غيظي وقلت لهم بأنهم يرتكبون حماقة بحق طفلة ستقضي على مستقبلها ، وتساءلت
ماذا ستفعلون بعد ذلك ، فقالوا : عندما تصل الى السن القانوني فسنعقد عليها القران
الرسمي ، ولما تساءلت عما سيفعلونه فيما لو أنجبت قبل عقد القران عليها، فماذا
سيكون مصير الطفل ؟؟ وكيف سيحصل على رقم هوية خصوصاً وأن قوانين الاحتلال لا تعترف
به بدون عقد زواج ؟؟ فضحكوا من جهلي واستهزأوا بي، مما جعلني أنصرف من جلستهم على
غير هدى .. ولما امتطيت حماري نهق نهقياً فهمت منه أنه يتشفى بالذي جرى معي، وندمت
على خسارتي في اضاعة صلاة الجمعة جماعة في المسجد الأقصى .