هل المجنون أقدر على انتزاع حريته، من العاقل

ماجد زاهد الشيباني

هل المجنون أقدر على انتزاع حريته، من العاقل!؟

ماجد زاهد الشيباني

ربّما .. أحياناً .. بشروط .. من أهمّها :

·ألاّ يكون جنونه مطبقاً ! فصاحب هذا الجنون حرّ في كل الأحوال ، لأنه لايشعر أصلاً ، بأيّ قيد يقيّد حريته عن فعل أيّ شيء !

·أن يكون جنونه من النوع الخفيف ، والمتقطّع غير المستمرّ طوال الوقت ..

·ألاّ يكون جنونه بسبب خلل عقلي أو عصبي لديه .. بل بسبب هوَسه بحبّ الحرية ، وهيامه بالقيم الرائعة السامية ، التي تجسّدها إنسانية الإنسان الحقّ !

·أن يشعر أن له حريّة مسلوبة ، وأن مِن حقّه انتزاعها !

·أن يشعر ألاّ شيء لديه يخسره ، إذا قتِل أو سجِن .. لأن فقد الحريّة ، يعني فقد الإنسانية ذاتها ! وليس ثمّة شيء أقدس منها لدى الإنسان ، حتى الدين ! لأن الدين إنما أنزل لمصلحة الإنسان ، ولجعله إنساناً سامياً كريماً فاضلاً ! فإذا فقد إنسانيته ، كان الدين بالنسبة له ـ هو شخصياً ـ مجرّد نافلة ، قد يعجز عن مجرد التفكير بها، بلهَ الإفادة منها !

·أن تكون لديه همّة تدفعه إلى الفعل ، وجرأة أو شجاعة ، تقيه من الخوف ، وتصميم يحول بينه وبين التردّد ، ويمنعه من التخاذل أو التراجع !

·أن يكون قد اطّلع على قولة ذلك العالم الجليل الزاهد ، الذي قال في مواجهة أعدائه : ماذا يفعل بي أعدائي !؟ قتلي شهادة ، وحبسي خلوة ، ونفيي سياحة !

·أن تكون في صدره نفس حرّة حقاً ! تتسامى نحو الآفاق الأرحب ، من الحياة الإنسانية الكريمة النبيلة .. لانفس دنيئة تحاول التفلّت من قيود المجتمع الإنساني ، وأخلاقياته وآدابه ، ونظامه العامّ .. وتعدّها قيوداً تَحدّ من اندفاعها لارتكاب الجرائم ، المؤذية للمجتمع عامّة ، وللأفراد الذين يعيشون فيه ! وهذا النوع من النفوس لا يعَدّ مجنوناً أصلاً ، بهذا الهوس في تشهي الجرائم .. بل لا يعَدّ حراً ، بالمفهوم الصحيح للحريّة .. إنما هو عبد لشهوات يسعى إلى إشباعها ، فإذا حيل بينه وبينها ، وعرف كلفة التمرّد على القوانين الضابطة لنزعات التفلّت ، خنَع واستكان ، ورضي بالأمر الواقع ، الذي تؤثره نفسه المستعبَدة لشهواتها .. تؤثره على العقوبات المؤلمة ، المترتّبة على مخالفة القوانين ! أمّا حقّ الإنسان في أن يقول : نعمْ لكذا .. ولا لكذا.. فهذا هو جوهر الحريّة وأساسها !

·أن يكون له من الوعي الفطري أو المكتسب ، مايجعله يتمثل معانى أبيات المتنبي حتى لو لم يكن قد سمع بها ، وهي :

 ـ وإذا لم يكن من الموت بدّ       فمِن العجز أن تموت جبانا

وليس ثمّة موت أبشع من موت الإنسان ، الذي يعيش بلا حرية !

ـ ذلَّ مَن يَغبط الذليلَ بعيشٍ       ربَّ عيش أخفّ منه الحِمام

   وليس شيء في الدنيا ، يعدل في نفس الحرّ ، إحساسه بالذلّ والهوان !

ـ ليس مَن مات فاستراح بميْتٍ      إنّما الميْت ميّت الأحياءِ

   فالحياة بلا حرية هي ، بالضرورة ، ذلّ وقهر، وإحساس قاتل بالضآلة والمهانة ! وهذه كلها موت مع العناء ، أصعب بمئات المرّات ، من الموت الذي يَفنى فيه الجسد ، وترتاح النفس من شقائها وآلامها !

ـ أن يكون الموت بحدّ ذاته ، حريّة قائمة بذاتها ، يحصل عليها إذا عجزعن انتزاع حريته في الحياة !

ـ أن يكون قادراً ـ بما لديه من الصفات المذكورة أعلاه ـ على إقناع سالبي حريته ، بأن استمرارهم في سلب حريته ، يكلفهم ثمناً أكبر بكثير ، من الفائدة التي يجنونها من سلب هذه الحرية !

* ويبقى السؤال الأخير، الذي يحقّ للقارئ أن يسأله ..هو :

  هل الصفات المذكورة هنا ، هي صفات إنسان مجنون !؟

والجواب هنا ، أيضا : ربّما .. أحياناً !