ذكرى يوم ميلادي
عمار بن ياسر
توالت الأيام، ذهب الليل وأذن ببزوغ فجر جديد.. ولكن استوقفني ذلك الفجر بإشراقته، وحمل لي إحساساً مختلفاً عن باقي أيام السنة... نعم أعلن الفجر ولادته وتوجه ليخاطبني ... إنه يوم ميلادي.. طلب مني بأن أودع عاماً قضيته وأستقبل العام الجديد؟!!
نعم أودع 360 يوماً قضيتها وأتوجه لأسبح من جديد، ولكن أنا في لحظة ذهول ودهشة، أَمَضى عام؟!! وآتى آخر؟!!.. لا أيها العام انتظر فهناك أعمال لم أكملها.. هناك أفكار أريد تحقيقها ومشاريع أسعى لإنجازها.. لكنه اعتذر ومضى مسرعاً في طريق الماضي وأصبح في عالم الذكريات.
أما عنّي فبقيت في صراع مع نفسي.. كيف تركته يمضي ولم أقطف من ثماره؟!! ولم أغتنم الكثير من خيراته؟!! لماذا تركت شاطئ الأمان "شاطئ العزيمة والعمل" وذهبت أسبح في بحار التسويف؟!!
الكل فرحٌ من حولي.. يقدمون التهنئة والتبريكات ويتمنون الخير لي في العام الجديد.. أما أنا.. أما أنا.. في صراع مع ذاتي لأني هدرتُ وقتاً، وأجلّتُ عملاً وبدأ اليأس يتسرب والحزن يعشعش في داخلي...
بينما أنا على هذه الحال سمعت صوتاً يملؤه الدفء والحنان يهمس في أذني قائلاً "لا تقل فات الأوان .. لاتقل .. فالوقت حان" فبعث في نفسي العزيمة بعد أن أضعفها اليأس وأعطاني جرعة من الأمل ولم يتوقف ذلك الصوت عند ذلك بل تابع قائلاً " إياك أن تعامل هذا العام كأخيه الذي رحل.. انهض ولا تتوقف عن العمل".
من هنا بدأت انطلاقتي في العام الجديد ووضعت نُصب عينيّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟" فكانت تلك اللحظات وداعاً لأيامٍ قصرت في اغتنامها ولكنها لبنةً (حجر أساس) في عامي الجديد الذي أسأل الله تعالى أن أخوض غماره بكل جد لأصل إلى شاطئ النجاة والأمان ... فإما شاطئٌ ينقلني إلى عام يليه لأكمل مسيرتي في تلك الحياة وإما يكون سفري من دار الدنيا إلى دار الآخرة فأكون راضياً عن نفسي بأني أنهيت عمري في طاعة الله ومرضاته والعمل بما أمر والبعد عمّا نهى..
والحقيقة أني أدركت بأن الإنسان واجب عليه أن يتذكر يوم ميلاده ليس من أجل حفلة يقيمها مع أصحابه وخلانه وإنما من أجل محاسبة نفسه والعمل على تصحيح أخطائه، ومن المؤكد أن الإنسان يزداد عمره من سنة إلى أخرى، ولكن أيضاً عليه أن يسعى ليرتقي ويزداد علماً وعملاً وأن يضيء سنة جديدة مليئة بالخير والعمل الصالح.