حمار الشيخ
حمار الشيخ
ترحموا معي على لويس السادس عشر
جميل السلحوت
4
صدقوني انني اصبحت اخاف من المناطق الحضرية،ولا اجد راحتي الا في الحقول التي تقع في اطراف القرى،بعيدا عن ذوي الياقات متعددة الالوان،وبعدي هذا يحقق لي الحفاظ على نقاء بداوتي،ونقاء سريرتي،ونقاء نفسيتي،لانني ببعدي هذا لا اشارك في الفساد والافساد والاساءة للآخرين، حيث أنني كلما التقيت بمسؤول او موظف كبير الا من ندر منهم الا وشعرت بانه يعاني من انفصام في شخصيته،حيث انه يبدو متواضعا عفيفا شريفا راعيا لمصالح عامة الناس اذا ما كان بحاجة اليهم،ولو لنصرته في "طوشة عشائرية" اما اذا لم يكن له معهم مصلحة شخصية،او اذا كانوا بحاجة الى خدمة منه تتعلق بعمله،فانه يلبس جلدا بلون آخر،فينظر اليهم باحتقار وترفع يمس بكرامتهم،وكرامة ابائهم واجدادهم،فيشعرون بحرج عميق يكتمونه في داخلهم،وتزداد آلامهم عندما يتذكرون انه لولا دعمهم له،لما وصل الى ما وصل اليه.
اما محسوبكم –والعياذ بالله من كلمة انا- فانني كلما قابلت احدا من هؤلاء "المتكرشين" او مررت به صدفة فانني اترحم على لويس السادس عشر الذي كان ملكا لفرنسا زمن كانت مملكة، واطلب الرحمة لزوجته الفاضلة التي ضاع اسمها من ذاكرتي التعيسة،وسبب دعائي لهما بالرحمة،هو انهما لم يموتا لأن "من خلف ما مات" فقد خلفا عند معظم الشعوب،خصوصا التي يطلق عليها "النامية" تأدبا و"المتخلفة" حقيقة ولنا من هذه الخلفة الطيبة نصيب كبير،وحصتنا من هذه الخلفة "الصالحة" لم ترث من تراث فرنسا العريق سوى ما ورثناه عن صاحبة الجلالة عندما قالت لاعوانها ان يخبروا المتظاهرين الجياع الذين يطالبون برغيف الخبز ان يأكلوا البسكويت اذا لم يجدوا الخبز.
اما وارثو هذا التراث من شعبنا فانهم احتاطوا لانفسهم،وثأروا من مرحلة الجوع التي عاشوا واباؤهم من قبلهم فملأوا الجيوب وفتحوا الارصدة الكبيرة،واقتنوا العقارات الفاخرة،ولم يعودوا يحتاجون لا للخبز ولا للبسكويت وان احتاجوه فهو "للهامبورغر" او "التشيكن تيكا" او "البروستيد تشيكن" وقانا اللهم واياكم معرفة ترجمتها للعربية.
ويكفيهم من تراثنا ان يرددوا ما قاله اعرابي لقريبه عندما شتمه قائلا :"لعن الله اباك الذي مات جائعا" فرد عليه "لعنة الله عليه ان وجد ما يأكله ومات جائعا" وفي هذه الاثناء نهق حماري فذكرني انني جائع مثله، فعلفته تبنا من عرق جبينه وسقيته ماء،وعدت الى بيتي فوجدت أمّ العيال قد طبخت لنا العدس الشهي وبجانبه شرائح من مخلل البصل، فملأت بطني وحمدت الله على هذه النعمة
رجولة
5
وهذا اليوم ضاع عليّ كما قال احدهم:
لقد ضاع شعري على بابكم كما ضاع عقد على عنق خالصة
ففي اثناء مسيري مبكرا للعمل،راعني نحيب امرأة تبكي، وتستنجد بصوت مرتفع قرب بيت،فدبت النخوة بي،وقررت ان انجدها فلعلها تتعرض لعملية اغتصاب او سرقة او ما شابه ذلك،ولما وصلت المكان،فوجئت بزوجها ينهال عليها ضربا "بخيزرانة"كتلك التي انهال بها على رقبة ابي صابر،وتنطلق الشتائم من فمه كالجزء المكشوف من وادي الديماس الذي ينطلق حاملا المياه السائبة من القدس بشطريها عبر قريتي الوادعة،فأمسكت بالرجل بكل قواي وهدأت من روعه بينما انتحت زوجته المسكينة جانبا تلملم جراحها وآلامها ودموعها،وتنظر الى شعرها الذي انتزعه زوجها من رأسها وهو معلق يداعبه الهواء على اشواك نبتة،فشرع الرجل الزوج يشرح لي عن "اعوجاج" المرأة أية امرأة وكيف لا يصلح هذا "الاعوجاج"الا بالعصا، وان المرأة اذا لم تجد زوجا فحلا يعاقبها صباح مساء فانها ستفعل العجائب ، وافاض في حديثه حتى وصل الى نتيجة مفادها "ان المرأة كالحذاء تستطيع استبدالها متى شئت كما تستبدل الحذاء"!!!
ولما سألته مازحا:كيف تسمح له رجولته العظيمة بأن ينام في حضن حذاء؟؟ وكيف يقبل ان يعاشر حذاءا وينجب منه اطفالا؟؟جن جنونه واتهمني بالانحراف زاعما ان المسلسلات التلفزيونية قد افسدت اخلاقي!!
ولم يعطني فرصة كي اخبره بأنني لا اشاهد المسلسلات التلفزيونية،لأنني اعود الى البيت مهدود الحيل من يوم عمل شاق،فأنام على غير هدى قبل ان اصلي صلاة العشاء، فانصرفت غير راشد قبل ان تتحول "الطوشة بيني وبينه،بعد ان قررت الذهاب الى بيت كبير عائلته لأروي له ما شاهدت كي يتدبر الامر قبل فوات الاوان.
وجلست امام كبير العائلة متهيبا كجلوس تلميذ امام مدرسه،وبعد ان استمع للحادثة قال:بأن المرأة خطاءة،والخطاؤون عقابهم واجب،وشتم من يدللون بناتهم لأنهم لا يعدونهن للحياة الزوجية القادمة وقال:لا تنس يا ولدي خبرة الاجيال عندما قالوا:"دلل ابنك يغنيك ودلل بنتك تخزيك" "وان عار البنات للمات" وان المحظوظ هو من لم يرزقه الله البنات لأنه "موت وليتك من حسن نيتك" فدارت في رأسي افكار سوداوية كثيرة وخفت ان تموت ابنتي الغاليتين وان بقيتا على قيد الحياة فان مستقبليهما مخيف ايضا.
فركبت حماري وانصرفت ايضا غير راشد وانا اترحم على من اورثونا وأد البنات.
وعجبت من رجولة الرجال كيف تظهر سطوتها على النساء، فحمدت الله لأنه خلقني ذكرا كي احمي نفسي من الجلد،وفي الطريق تذكرت ان ابا صابر كان يتعارك مع الحمير فقط،ولم يحصل ان تعارك مع أتان،وهكذا هي اخلاقيات عالم الحيوان باستثناء الجنس الانساني.