أنا وبيئتي

منى كوسا

[email protected]

على هذه البيئة و مخاطرها أتساءل  مندهشة ً عن الجحيم الفوضوي و دروب المتاهة , هذا التلوث الذي يتكئ على الأرض و في الجو و يملأ أجسادنا و نفوسنا و يجري في عروقنا و يدخل في رئاتنا مع الهواء و في حلقنا مع الماء.

أقف حارسةً على قدرها و لدي الكثير من الحلم, أقف معها في خلاصها من اللذين عبثوا فيها و كانوا سبباً في تلويثها.

لعل حضوري الذي يثير تململاً سوياً يكون نيزكاً في روحك لسلامتها و أغنية تنزلق كا اهتزازات الضوء , كلون يرفض ما هو غير مرغوب به , تحمل كل ما هو في أعماقي و إيماءاتي , فالعالم البيئي المحيط بي مبني على الفوضى , أنا أعرف جيداً أنه سيأتي يوماً  سنتخلص من الاضطرابات كاللهب المطرد و الأوراق الشجرية المغبرة , الأرض تحترق , وفعل الخلق الذي لا يتوقف أبداً , ولادة في حضن الهاوية , المدينة تنبطح كل شيء هو إشعاع ونفايات و الأجزاء المرمية على الطريق ترسم على الأرض المشلولة ألف سؤال و سؤال أين هي اللحظة الحاسمة للرحيل ؟لماذا لم أتحرك ؟

السماء السوداء هي ليست ما نسميه لوحة فنية , شيء يشبه هذه الصورة الوحشية التي صنعها الإنسان , اختلطت الأزمنة فهذا زمن الجراثيم , زمن الناس , زمن التلوث بالغبار و أحداث مجهولة في بوتقة لا توصف , تتفاعل , كل شيء يخبط على هواه في هذه البيئة , ومهما حدث لا يمكن إلا أن نعيش فيها و نعود إليها و لا بد أن تشع وتتوهج بالنقاء, ولكن يا بيئة خلقها الله من زمردة الصفاء و الثلج و لا ترقى إليها الفساد تحت أقدام بشر يعيشون و يغنون برهاناً على الطهارة و البقاء .

آه يا بيئتي , يا مرآة , يا شرارة تحتضر في احتراقها .

أيتها الصامتة كعتبة صخر جلمود, جديرة بالثقة.

بعيداً عن كمين المخاطر أخذت مولدك, صبوتك لانهائية و لا شيء يملك كيانك غير الحياة السوية, فلا نقمة الإنسان تستطيع تجريدك, لقد قرأت فيك صفحة الغفران فنفذ صبري و أجهشت بالبكاء يفتح فمي على الكلام, الدمع مع الصمت و أنا مع الصرخة للإنقاذ.

منك أتنفس المعرفة و أنهض عند الفجر املأ ذاتي بنفس الخصب القوية كأولئك اللذين مهمتهم أن يوقظوا فيبدؤون بغسيل الصباح في نهر الصفاء , لكي أتحسس كل جزء منك في مكانه فلا أعود أرجو شيئاً غير ما تعطيه في حالة وجوده الحقيقية , فجأة لمعت معك الفكرة حتى نقبل بأن تكون قفزة فجائية لما نجهل .

آن الأوان لهذه الغفوة الكامنة أن تنتهي من هذا الفرد الذي يعبث بك في لهب عريض حتى ليعتقد أنه عود ثقاب بسيط يشتعل بلهب لا لون له , يعبث و يعبث و بعدئذ تغيب شمسك وتغرق و تختفي خيوط نورك و تذهب روعة أشياؤك الجميلة فتدخلين عالم الظلمة فيسدل الليل على كائناتك و الأشجار تعدم و الحيوانات تدفن و يعم الصمت و نسكن دائرة الاضطراب حتى الزمن لم يعد كما كان في الأمس كل شيء يفسد و بذرة الحياة تتراجع و تفقد ملامحها لا بل راحت تحفر قبرها بيدها . لماذا كل هذا العبث أيها الإنسان ؟

هل هناك في داخلك شيء لم تتمكن من رؤيته , عبثك لا يفتأ يتطلع نحوي بعينيين مرعبتين تنظر بتطلعات الدهشة و تصرخ بكلمات , أريد أن أطأ أبعد من أثار أقدامِ, أريد أن أفتح في الأسوار باباً , هذا ما أريد , أستغيث , هل أنت من لحم و دم ,هل آلمتك الآلام التي آلمتني و هل أنت تبكي معي ؟

أريد إذا ما ولد طفل أن يولد على أرض من قمح , يستنشق الأزهار و الأرض ندية و ليس ما استنشقناه كلنا , يغني أغنية عذبة , أغنية جمال البيئة المحبوبة بسمائها الزرقاء و تربتها الزمر دية .