الثقافة

منى كوسا

[email protected]

الثقافة هي وعي الذات ورؤية إلى العالم والمجتمع والإنسان كما أنها لغة تفعيل وتغيير تنهض بالعلاقات الاجتماعية وتسعى إلى اكتشاف ما هو جديد تجعل الناس يحاورون تاريخهم وحاضرهم وتدفعهم نحو تطلعات مستقبلية وظهور منظومات تفصح عن نفسها في سياق الرهانات العالمية.

إذا كنت قادراً على مواجهة الحياة بحيث تخدم أغراضك مدفوعاً بأخلاق رفيعة عندئذ أُقدمك للمجتمع بأنك صديقي المحترم المثقف وأُبرز الخلاف في شخصيتك عن المتعلم الذي يحشو دماغه بعلوم شتى وغير قادر على التعامل مع موقف بسيط من مواقف الحياة المعقدة .

فالمثقف هو الذي يعطي لحياته معنى ويضيفها على ما حوله .

اجعل على أن تكون صورتك مرتبطة بسلطة العقل المتحرر في الكليات الدينية الأخلاقية والميتافيزيقية وترى المجتمع بعقلك وفكرك وتّطور الملكات العقلية للإنسان بحيث تعتبر نفسك كنموذج للتطور داعياً للخروج  من كهف ندب الذات والبكاء على الأطلال وتبوح بأسرار الجمال الحضاري لبلادك مبرزاً هوية الكائن من خلال عمق إحساسك بالواقع دون أن تتقوقع بين الموروث الثقافي والديني وبين ارتداء ثوب مستعار من ثقافة الخارج التي إذا توغلت فيها يكون ذلك تحقيراً لذاتك التي تصبح هزيلة وملحقة لا دور لها في الغد , وتعرف أن ما يريده الآخرون مختلف عما تريده أنت فتنتج أفكاراً تعقلن مسارها وآثارها في هيكل المجتمع ومؤسساته لتحقيق أهدافه في البيئة الإقليمية والدولية المعاصرة , فأزمة المثقف العربي تتمثل في انعزاله عن الجماعة والتعالي عليها وعدم التواصل معها لأنه يعتبر أن ما يقدمه هو حكر له ولأمثاله .

أريدك أن تقرأ التاريخ بكل زواياه لأنه يستهدف الحاضر ويقودنا لتفادي المخاطر التي تهدد مستقبلنا , وهناك قراءات متنوعة يجب أن تكون وفق الحقل الوطني أي تتواصل مع التاريخ دون القفز فوقه أو الخروج منه وفقاً لأفكار سياسية عالمية تفرض علينا أي ننظر للتاريخ بأعيننا وليس بأعين الآخرين ذوي الطبيعة الإستشراقية .

لا تتجاهل الأحداث التاريخية المهمة بل التزم بها وحافظ على التراث واتخذه مصدر الهام لأنه به تتأكد جدارة الأمة للمساهمة في الحضارة العالمية ولكن نقد التراث يجب أن يتم في ضوء الإنجازات العلمية والثقافية والفلسفية التي شهدها العالم في عصر النهضة الأوروبية ولا بد من الأخذ والعطاء ضمن حوار ثقافي متكامل بين الحضارات لا صراع بينهما لنؤكد أن الإنسان هو الأسمى الذي وهبه الله القدرة على المعرفة .

لكي تكون متميزاً ومبدعاً عّبر عن حرية تأويلك للتاريخ لا أن تزوره مثلما تريد بان تضيف أشياء غير موجودة ومن حقك ككاتب أو مثقف أن تعيد النظر في مبادئك و قناعتك وفقاً لحدسك العلمي بشرط أن تواكب بتفكيرك كل ما هو مفيد ويسعى نحو الأفضل .