تناوح الرياح
مصطفى أحمد البيطار
في يوم عبوس من أيام الشتاء القارص
كانت الطبيعة في صمت وذهول ،
يعلو وجهها الكآبة والحزن
والخوف والوجل من قصف الرعود ، وزمجرة الأعاصير ، وانهمار المطر ، وزمهرير الصقيع .
و السماء متلبدة بغيوم داكنة سوداء
تُخفي دموعها حياء من صغارها الأفلاك القابعين في زوايا حجرها
ثم تُشيح بوجهها الذي امتلأ بماء الطُّهر والحياة..
كي لا تبللهم بانسكاب دموعها التي تنصَّب كأفواه القرب.
ما أجمله من وجه أمام الأرض العطشى المتلهفة إلى قُبُلَات المطر .
أما الشمس الخائفة الوجلة تبدو مصفرَّة الوجه
متكئة على ذراع أمها ، ملتحفة بقطع من الغيوم السوداء الداكنة ، لا تتراءى للناظر إلا من بين سُجف الغيوم المتراكضة أمام الرياح .
وأما النجوم كانت تتلألأ في كبد السماء تباهي بجمالها الحور الحسان في الرياض والجنان .. فقد غدت مستترة برداء الشتاء الداكن
لا سُمَّارَ ولا عشاق يتهامسون في ظلال أضوائها في هذا السكون العميق …
2
وقفتُ متأملاً بحار همومي وأنهار آلامي
وجراحات أمتي المنكوبة
أمتي التي كانت كالنَّسر في أعالي القمم
تصول وتجول ، تجوب أجواء الفضاء الرحب بكل عزة وإباء
وتحلق فوق الجوزاء بسمو تباهي نجوم السماء
ترقب فجر الصباح بكل همة وَمَضَاء
تسير وفق ا لشريعة الغراء
لا تستورد قوانين وَضْعِيَّة من صنع البشر ،
ولا تسيرها المبادئ الخرقاء
و لا الأهواء الهوجاء.
كيف لانت واستكانت ؟
وأصاخت السمع لرسم مخططات.. وعَقْدِ مؤتمرات
لا يراد إلا إنزالها من قمم الجبال لقعر المستنقعات
فهل يستوي النسر مع الرخم يا شرفاء ؟
3
أبحرت في عينيك يا أمتي الحبيبة عرضًا وطولاً
فلم أجد سوى اليسير من يشاطر همومي
ويضمد جِراحَكِ المتزايدة .
فهل عقمت الأرحام اللواتي يلدن مثل خالد والقعقاع وعمرو؟
فيا دعاة الحرية والديمقراطية ؛ أما كفاكم عارًا وشنارًا([1])
أعداء الإسلام يخططون ، ولأمتنا يذبحون
وأنتم لقراراتهم تدرسون ، ولتنفيذها تتسابقون .
قالوا : قرآنكم إرهاب
فاجتنبوه .:
فصدقتم وصفقتم..
4
أما
قرأتم قرءان ربكم؟
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم ﴾
فوضعوا الأغلال في أعناقنا فشكرنا صنيعهم !!
ولكن ليل الشتاء سينجلي ، وفجر الصباح سيعتلي
ويا ربوع بلادي هللي..الله أكبر، الله أكبر.
لا بد للسماء المظلمة من بزوغا لفجر يكتسح جحافل الظلام
وللأشجار العارية من حُلَّة خضراء
ولأزهار الربيع ابتسامة على كل ثغر
ولشذا الرياحين أجمل من كل عطر
ولشدو الأطيار والعصافير ترنيمة على كل غصن
ولحراس العقيدة عزيمة وإرادة لتحقيق النصر
ولنشرر الرحمة والعدل في كل مكان
كما كان في حقبة من الزمان .
([1]) أقبح العيب .