بالأثير .. نلتقي !! 

بالأثير .. نلتقي !! 

(3)

 أبو دواة*

[email protected]

كان الوقت -هذه المرة- صبحاً .. وكان ميدان (تان توغان) مكتظاً عن آخره بالببغاوات المدجّنة تصيح ..

(تركيا علمانية .. وستبقى علمانية)

كانت اللافتات الفجة تصيح هي الأخرى .. الأعلام الحمراء بلون الدم والصور ..

قطعان وقطعان من المأجورين والهوائيين .. والمظاهرة مكان جميل .. بإمكانك أن (تتحرش) في المظاهرة .. وأن تسرق .. وأن تقيء النار داخلك هاتفاً هارفاً ثملاً !!

كانت المظاهرة ترجف بالتصفيق .. وإذا تحت الأقدام شيخ فانٍ كث اللحية .. تضرجت ثيابه التقليدية القديمة بدم كالأحمر في طربوشه والأعلام ..

-يا إلهي !!

صرختُ وقد راعني المنظر .. وراعت الناس صرختي .. "فمن هذا الرجعي الذي يستصرخ إلهاً .. وينسى (الآلهة) العطشى في واشنطن ؟!"

-يا ناس .. حرام عليكم (كانت الكلمات تخرج بعفوية .. ولم أكن أحسب كحساباتهم الاتحادية الكمالية؛ حيث لا حرام ولا حلال .. والحرية كل الحرية .. حتى لو ألقيت بنفسك في الهاوية .. مرحى .. مرحى !!) .. قم يا جد .. تعال إلى أحضاني .. ولم أحظ بمثلك في صغري .. فقد مات جدي ولم أكـ .. (أف !! .. من جديد أنخرط في الحكي عن نفسي .. طبع يغلب التطبع) ..

قام الشيخ يجمع أشلائه من بين مخالب الضباع والببغاوات والحمير .. قام يلتقط نفساً يشكرني ..

-تشكرات يا بني ..

-لا شكر على واجب يا جد ..

حدّق الشيخ في وجهي ..

-أنت عربي ؟؟

-نعم .. من مصر ..

-يا لمصر وأهلها !! .. أولا تعرفني ؟!

كنتُ أقلب عيوني -أنا الآخر- في وجهه ..

-أنا عبد الحميد يا بني .. عبد الحميد الثاني خليفة المسلمين .. أولست مسلماً ؟!

-أنت ؟! .. واه لأيامك من أيام !!

وانكببتُ على يد الشيخ أقبلها .. وأسقيها دمعي ..

-أنت أنت الإسلام .. ألا ترى الخارطة في عروقك .. خارطة دولة الإسلام ؟! .. أنت نبضنا .. أنت أبونا الذي يؤوينا إليه ليالي الخوف .. أنت ...

-حسبك يا بني .. فذاك عهد وولّى .. قل لي .. ما صنع بكم (محمد الخامس) من بعدي ؟؟

-(محمد الخامس) !!

-أولا تعرف اسم الخليفة حتى ؟!

-الخليفة !!

-هل أنت مجنون يا هذا ؟!

(هكذا إذن .. ترى كيف السبيل إلى تعريف الشيخ بما جرى .. ماذا أقول ؟! .. وماذا أحكي ؟! .. عن النكبات والنكسات .. عن الانتفاضات والثورات .. عن الثياب القومية المنتنة .. عن أسلاك الشوك زرعوها في جسمنا الواحد .. اللهم أعن هذا القلب الضغيف على تحمل هذا الخطب الجلل)

وخرج الحوار من دخيلتي إلى لساني ..

-ماذا أقول ؟! .. أقول ضاعت الخلافة وأيام الخلافة .. ضاعت فلسطين وبغداد وكابول وقرن أفريقيا ؟! .. أقول شردت الحملان فلاكتها الذئاب ؟! .. أقول ...

كنت أحتضن الهواء بذراعي ..

-إلى الأثير يا جد .. ولا أفضل !!

              

 *أديب من مصر، 19 عاماً.