لا تخف أيها الوالد
محمد محمود كالو
لا تخف أيها الوالد على ولدك ،حينما تجده يقرأ الصحف ، لأن الصحافي يكتب ليقرأه أهل زمانه .
و لا تمنع و لدك عن قراءة المجلات ، على اختلاف أنواعها خشية على مستقبله، دعه يمارس هوايته في القراءة و الثقافة ،و لا تخش لون القراءة المشغوف به ابنك، إن تيار الحياة يغير لون المطالعات .
أنت نفسك أيها الوالد ،الذي تقرأ اليوم كتب التاريخ و الفلسفة أو مقالات الاقتصاد و السياسة، كنت في ربيع سِنِّك مشغوفاً بقصص » عنترة بن شداد « و» أبي زيد الهلالي «، و لكنك ربما لا تذكر ذلك اليوم ، فلا تقلق على و لدك و دعه لسنه و زمانه ، ألا ترى أن الزهر الذي يربى في بيوت الزجاج ، ينشأ ضعيف التكوين والبنيان ، ينهار عند اللمسة الأولى ؟ .. إنه يحتاج إلى دثار من العناية وجدار سميك من الحيطة و الوقاية .
ليس هذا هو السبيل أيها الوالد ، حَطِّم بيت الزجاج ، وعرِّض زهرتك وولدك للشمس و الهواء و الرياح و الغبار، ليعيش قوي البنيان، متين التكوين، صلب العود لا يتأثر» بفيروسات « القراءة من الأفكار النتنة، والآراء الكريهة والعفنة، دعه يقرأ ويعش ربيع عمره مع أترابه ، ويفهم طبيعة جيله .
بعض الآباء يمنعون أبناءهم من مصادقة أي شاب ، حتى و لو كان مثقفاً، يريد أن يعيش ولده كعابد في صومعة ، لا يراه الناس و لا يراهم .. فيصبح الولد كما قال الشاعر :
عوى الذئب فاستأنستُ بالذئب إذ عوى وصوَّت إنسان فكدتُّ أطيرُ
أليس من حق هذا الولد أن يصادق أبناء جيله ؟..
و ما سمي الإنسان إنساناً إلا لاستئناسه بالناس ـ و لكن ، علِّمْه كيف يختار الصديق الصادق ، لأن الصاحب ساحب .
وعليك بعد هذا كله، أن تختار له ما يقرأ من الكتب ، و تمكنه من قراءة ما يناسب سِنَّهُ من ألوان القراءات _ إذا رأيت ولدك مسترسلاً في المطالعات التافهة _ فليس كل الكتب تقرأ .
والكتب كالناس ، منهم السيد الوقور ، ومنهم الكيِّس الظريف ، ومنهم الجميل الرائع .. و الساذج الصادق .. والأريب المخطئ .. والخائن .. والجاهل .. والوضيع .. والخليع _ كما يقول الأستاذ العقاد _ فإن بعض الأفكار تسعى كالأفعى من جحور الكتب إلى وعي الشباب ، فالفت انتباه و لدك إلى الكتب التي ينتفع بقراءتـها ، ويطل من خلالها على العالم، فالقراءة النافعة هي سرُّ التقدم و الحضارة.