عالم عجيب جداً
الخاطرة 29 من خواطر الكون المجاور
ز.سانا
في القرن التاسع عشر كان إعتقاد علماء الفيزياء بأنهم قد إكتشفوا تقريبا كل أسرار هذا العلم ولم يبقى منه إلا أشياء هامشية بسيطة لتكتمل معرفتهم بجميع أسراره ، في نهاية هذا القرن وبالتحديد عام 1900 وبينما كان العالم الألماني ماكس بلانك يقوم بأبحاثه في تحسين جودة الضوء في المصابيح الكهربائية بأقل كلفة ممكنة ، إكتشف أن الطاقة لا تصدر بشكل مستمر كما كان يظن العلماء ولكن بشكل متقطع أي أنها تخرج بشكل مشابه للعزف على القيثارة أو البيانو حيث الصوت يصدر دقة دقة وليس كما هو في العزف على الكمان أو المزمار حيث الصوت يصدر بشكل مستمر وليس دقة دقة.
إي أن الطاقة تصدر على شكل وحدات متقطعة سميت بالكم. لذلك سميت هذه الفيزياء الجديدة بفيزياء الكم أو ميكانيكا الكم. حيث الكم هنا هو مصطلح فيزيائي يستخدم لوصف أصغر كمية من الطاقة يمكن تبادلها بين اﻷجسام.
هذه الفيزياء الجديدة ( فيزياء الكم ) فتحت للعلماء نافذة إلى عالم جديد عجيب أغرب من الخيال، حيث دفعت الكثير من العلماء ومنهم العالم الفيزيائي الشهير أنشتاين نفسه أن يرفضوا صحة مبادئه. ولكن التجارب المستمرة التي قام بها العلماء لمدة أكثر من مئة عام ، كانت جميعها تؤكد على صحة مبادئه العجيبة تلك. والشيء المؤسف حقا هو بقاء منطق هذه الفيزياء الجديدة بعيدا كل البعد عن منطق المنهج العلمي الحديث فجميع إستخدامات قوانينه لا تزال محصورة على المستوى المادي فقط كالحاسوب والهواتف الخلوية وغيرها من اﻹختراعات الحديثة ، فحتى اﻵن لم يفكر أحد بشكل فلسفي عن سبب الظهور المفاجئ لهذا العلم في تلك الفترة التي بدأ فيها تحويل المنطق العلمي في البحث من مذهب مثالي إلى مذهب مادي بحت ، فمعظم عباقرة عصر النهضة كانوا من المذهب المثالي وجميع أبحاثهم ونظرياتهم كانت تعتمد على وجود الروح (كصفة إلهية ) في كل شيء وبناء على هذه القاعدة سارت جميع أبحاثهم. وإذا تمعنا جيدا في طبيعة قوانين فيزياء الكم (ميكانيكا الكم ) نجدها تتبع مبدأ مشابه تماما لهذا النوع من المنطق . للأسف حتى علماء فيزياء الكم أنفسهم إلى اﻵن لم يفهموا ماهية هذا العلم. لذلك نجدهم ينظرون إليه وكأنه علم ذو مذهب مادي عشوائي حيث نرى مثلا عالم فيزياء الكم ريتشارد فاينمان يصف هذا العلم فيقول " ميكانيكا الكم هي النظرية التي يستخدمها الكل ولا يفهمها أحد على اﻹطلاق" بينما في الحقيقة هو علم ينتمي إلى المذهب المثالي، ولا يمكن وضع عشوائيته ضمن نظام إنسجامي محدد يمكن فهمه إلا إذا نظرنا إليه برؤية مشابهة تماما لرؤية المذهب المثالي أي عن طريق إدخال دور الروح في البحث العلمي لكشف أسرار قوانين هذا العلم.
معظم الناس اليوم لديهم هواتف خلوية يستخدمونها يوميا ولكن 85% منهم تقريبا لا يعلمون حتى أبسط الأشياء عن مبادئ ذلك العلم (فيزياء الكم ) الذي ساهم في إختراع هذا النوع من اﻷجهزة ، والسبب ليس في هؤلاء الناس ولكن في علماء الفيزياء أنفسهم أو بشكل أصح سببه رداءة المنهج العلمي للعصر الحديث والذي حول العلوم المادية وخاصة علوم الفيزياء إلى علوم جافة خالية من الروح. بسبب إنفصالها المطلق عن حاجات اﻹنسان الروحية، وكذلك دخولها في مرحلة الخرافات ، فخرافات العصور الماضية كانت ذات طابع روحي تساعد على تحقيق و سد حاجة روحية عجز اﻹنسان عن تحقيقها و فهمها لخلق نوع من التوازن الفكري والروحي، أما خرافات علوم العصر الحديث فهي من النوعية الرديئة والتي ليس لها أي هدف سوى تحطيم التوازن الفكري والروحي للإنسان لتجعله يشعر بأنه يعيش في عالم عشوائي حيث الله عز وجل لا وجود له في قوانينه ، وللأسف كثير من صانعي هذه الخرافات العلمية لهم مكانة عالية في الأوساط العلمية. ( موضوع خرافات علوم العصر الحديث سنتكلم عنه في مقالة مقبلة إن شاء الله ).
علوم الفيزياء بشكل عام تنقسم إلى ثلاثة أنواع من الفيزياء :
1- فيزياء الكم : وهي الفيزياء التي تدرس سلوك المادة في عالم الصغائر أي أنها تدرس تصرف الجسيمات التي على مستوى الذرة وما دونها أي سلوك الجسيمات التي تدخل في تركيب الذرة. . اﻷلكترون. .البروتون. .الفوتون. ..الكوارك. .......الخ
2- فيزياء التقليدية ( الكلاسيكية أو النيوتينية ) وهي الفيزياء التي تدرس سلوك المادة في العالم المادي المعروف الذي يحيط بنا ضمن الشروط الطبيعية.
3- فيزياء النسبية : وهي الفيزياء التي تدرس سلوك المادة في عالم الكبائر بأبعاد هائلة كالنجوم والمجرات وفي شروط هائلة أيضا حرارة عالية جدا وسرعات كبيرة تقارب سرعة الضوء.
ما يهمنا هنا هو النوع اﻷول من الفيزياء (فيزياء الكم أو ميكانيكا الكم ) فقوانين الفيزياء التقليدية تعبر عن طبيعة سلوك الكائنات الحية وطبيعتها بشكل عام ، أما قوانين فيزياء الكم التي تسود في عالم الصغائر ( ما تحت الذرة ) تعتبر قاعدة أساسية لفهم سلوك اﻹنسان وطبيعة تفكيره ، فعالم الصغائر هذا هو النافذة التي من خلالها يمكننا فهم المعلومات الأساسية عن الروح، وبدون فهم هذه اﻷساسيات ستبقى معارفنا عن المادة وعن أنفسنا أيضا معلومات ببغائية سطحية قد تسد بعض حاجات اﻹنسان الجسدية ولكنها لن تساهم في وصوله إلى الكمال ، فبدون تطوير المعارف الروحية سيعود اﻹنسان مع الزمن إلى عصر الكهوف ثانية.
هنا سنحاول ذكر مثال بسيط يشرح طبيعة عالم الصغائر من خلال رؤية فلسفية وليس رؤية فيزيائية مادية ، لنستطيع من خلال هذه الرؤية الفلسفية فهم حقيقة ما يحدث في الظواهر الميتافيزيقية (ما وراء القوانين الطبيعية ) وعلوم الباراسيكولوجيا (ما وراء النفس ). فالتطور الحقيقي للإنسان الذي جعله يسير في طريق مختلف نهائيا عن الطرق التي سارت بها بقية الكائنات الحية ، يعتمد كليا على هذا النوع من القوى الخارقة لقوانين الطبيعة وليس تلك التي تدرسها الفيزياء التقليدية.
لنفرض أن يوسف يعيش في مدينة تبعد 500 كم عن المدينة التي تعيش فيها أمه. ولنفرض أن أم يوسف أصيبت بمرض معين يفرض وجود يوسف قرب أمه ليساعدها في تلك الظروف التي تمر فيها اﻷم. في هذه الحادثة ستحدث بعض اﻷشياء ، حيث طبيعة هذه اﻷحداث تقع تحت قوانين معينة تختلف نهائيا من العالم التقليدي (الذي نعيشه ) عن عالم الصغائر ، وسنحاول شرح كل حدث ضمن كل عالم من هؤلاء العالمين :
- حتى يصل خبر مرض أم يوسف إلى يوسف لا بد من وسيط معين ، مثلا عن طريق إتصال أم يوسف بإبنها هاتفيا أو عن طريق إرسال رسالة عبر البريد. فهذا ما يجب أن يحدث في عالمنا الواقعي حتى ينتقل خبر مرض اﻷم إلى يوسف. ولكن في عالم الصغائر لا يحتاج أي وسيط فبمجرد شعور اﻷم بالمرض سيشعر يوسف مباشرة أن أمه مريضة ، إنتقال الشعور بهذه الطريقة الغريبة يحدث كثيرا بين التوائم الحقيقية فعندما يصاب أحد التوائم بألم معين يشعر به التوأم اﻵخر حتى ولو كانت المسافة التي تفصل بينهما آلاف الكيلومترات.هذه الظاهرة في فيزياء الكم تسمى الترابط الكمي أو التشابك الكمي حيث تم من خلال التجارب إثبات أن كل ما يحدث على جسيم معين ، الفوتون مثلا سيحدث على الفوتون المترابط معه حتى ولو كان الفوتون الآخر في كوكب آخر. رغم أنه لا يوجد أي وسيط مادي يربط بين اﻹثنين ، هذه الظاهرة لم يقتنع بها أنشتاين طوال حياته ولكن التجارب المخبرية أثبتت صحتها بدون أي مجال للشك.
- اﻵن عندما علم يوسف أن أمه مريضة بطريقة ما ، يبدأ بتحضير نفسه للسفر إلى أمه. حتى يذهب يوسف إلى أمه في عالمنا الواقعي يحتاج إلى سيارة تنقله إلى المدينة التي تقيم بها أمه. وبما أن المسافة بينهما هي 500 كم فهو يحتاج إلى 5 ساعات تقريبا ليصل إلى أمه. ولكن في عالم الصغائر اﻷمر يختلف فهناك في بعض اﻷحيان الزمن والمكان يفقدان معناهما ، وتتحول قيمتهما إلى الصفر. فبمجرد أن يرفع يوسف يده مودعا زوجته في تلك اللحظة بالذات يرفع يده مرحبا بأمه في المدينة المجاورة. هذا يعني أنه في نفس اللحظة كان يوسف في مكانين ، المكان اﻷول في مدينته أمام زوجته، والمكان الثاني أمام أمه التي تقيم على بعد 500 كم عن المكان اﻷول. بمعنى آخر أن يوسف إنتقل إلى أمه بسرعة أكبر من سرعة الضوء لذلك رأته زوجته ورأته أمه في نفس اللحظة.
- اﻵن يوسف يقود سيارته في طريقه إلى أمه ، بسبب قلقه على حالة إمه يسرح فكره ولا ينتبه إلى تلك الشاحنة الكبيرة التي دخلت من طريق متصالب. هنا في العالم الواقعي سيحدث إصطدام بين سيارة يوسف والشاحنة وقد يؤدي إلى إصابات خطيرة تمنع يوسف من متابعة طريقه إلى مدينة أمه. ولكن في عالم الصغائر فهناك إحتمال أن تخترق سيارة يوسف الشاحنة بدون أي تخريب في السيارة أو الشاحنة وبدون أن يصاب أحد بأي أذى ويتابع طريقه وكأنه لم يحصل أي شيء، هذه الظا هرة في فيزياء الكم تدعى ( نفق الكم ) حيث يستطيع جسيم معين أن يخترق حاجز معين دون ثقبه أوتخريبه ليتابع طريقه إلى الجهة اﻷخرى.
- عندما يصل يوسف إلى منزل أمه في العالم الواقعي هناك إحتمال واحد و هو أن يراها ويتحدث إليها ،أما في عالم الصغائر فاﻷمر مختلف فهناك إحتمال عندما يدخل يوسف منزل أمه أن تكون أمه قد أختفت عن الوجود كجسم وتحولت إلى إلى ما يشبه الشبح ، وهذا اﻹحتمال في علم فيزياء الكم يدعى مبدأ ثنائية الحالة ( جسيم - موجة ) فالجسيمات هناك يمكن أن تتواجد كجسيم أو كموجة. فالألكترون يمكن أن يتحول من جسيم مادي إلى موجة. فلعبة كرة القدم لا يمكن أن تطبق في عالم الصغائر فتصوروا أنه عندما يريد اللاعب أن يضرب الكرة بقدمه في تلك اللحظة تتحول الكرة إلى غيمة غازية فقدم اللاعب ستمر خلال هذه الغيمة بدون أن تستطيع تحريكها وكأنها شبح بدون مادة ملموسة.
- في العالم الواقعي ستحصل كل اﻷحداث بطريقة التي شرحناها بدون أي أختلاف ولكن في عالم الصغائر اﻷمر مختلف فإذا كانت زوجة يوسف إمرأة غيورة ولا تثق بزوجها وظنت أن يوسف يكذب عليها وقد إختلق قصة مرض أمه ليذهب ويقضي بضعة أيام مع إمرأة أخرى ،فذهبت وراءه تراقبه عن بعد لتعلم أين يذهب ، فطالما أن يوسف وضع تحت المراقبة فإن جميع اﻷحداث رغم أنها تحدث في عالم الصغائر ولكنها ستكون مشابهة تماما لما يحدث في العالم الواقعي، هذا المبدأ في علم فيزياء الكم يدعى ( إنهيار الدالة الموجية ) حيث الجسيمات عند وضعها تحت المراقبة تتصرف كمادة فقط وتختفي الحالة الموجية. فاﻷلكترون إذا وصعناه تحت المراقبة فسيشعر بنا ويتصرف كجسيم فقط ولن يتواجد كموجة.
- هناك بعض الخرافات في علم فيزياء الكم سنذكر عنها بهذه الفكرة المبسطة، عندما يصل يوسف إلى أمه هناك احتمالين : إما أن تكون أم يوسف في المنزل أو قد تكون حالتها الصحية قد ساءت فإضطرت الذهاب إلى المستشفى ، في العالم الواقعي يمكن أن يحدث إحتمال واحد من اﻹثنين إما أنها في البيت أو أنها في المستشفى ،أما في عالم الصغائر فيحدث كلا اﻹحتمالين أحدهما في هذا الكون واﻹحتمال الثاني يحدث في كون آخر ، فالكثير من علماء فيزياء الكم يؤمنون بفكرة تعدد الأكوان أو اﻷكوان المتوازية. فكرة وجود أكوان عديدة هي من خرافات العصر الحديث وسبب ظهورها هو اﻹنحطاط الروحي الذي يعاني منه المنهج العلمي الحديث.
قد يتساءل بعض القراء كيف أكتب في هذه المقالة بأن تعدد اﻷكوان هي فكرة خرافية في حين أن جميع مقالاتي تحمل العنوان الرئيسي ( خواطر من الكون المجاور )، هنا لا بد أن أذكر أن مفهومي لمعنى الكون المجاور يختلف نهائيا عن مفهوم علماء فيزياء الكم. فحسب مفهومي ، الكون واحد ولكن يحمل صفة مزدوجة تماما كما هو في مبدأ اﻷول من فيزياء الكم ( ثنائية الحالة جسيم - موجة ) فالجسيم كما ذكرنا يمكن أن يتواجد ككرة صلبة (جسيم ) أو أن يتواجد على هيئة كتلة ضبابية (موجة ) .وهكذا أيضا في الكون الواقعي والكون المجاور حيث كل كون هو ضمن الكون اﻵخر ، ومحتويات كل كون هي نفسها تماما في الكون اﻷخر ولكن كل كون له قوانينه الخاصة لذلك يختلف هنا طبيعة الشيء نفسه حسب مصدر القانون المؤثر عليه ،هل التأثير من الكون الواقعي أم من الكون المجاور.
لتوضيح هذه الفكرة سنتحدث قليلا عن رأي الفيلسوف ديكارت ( 1596-1650) ، فهو قبل ظهور فيزياء الكم بأكثر من قرنين ونصف كان قد تحدث عن المبدأ اﻷول في فيزياء الكم (ثنائية الحالة جسيم - موجة ) ولكن بطريقة فلسفية وليس بطريقة فيزيائية ، فحسب رأيه بأن اﻹنسان يوجد في حالة ثنائية (مادة - روح ) ، هذه الحالة لاتنطبق على الحيوانات ﻷن الحيوانات ليس لها روح ، فالروح حسب رأي ديكارت هي اﻹحساس الذهني وهذا غير موجود في الحيوانات ، فهو منذ ذلك الوقت حاول الفصل بين الوجود المادي (الحيواني ) والوجود الروحي ( اﻹنساني ) فخرج بقوله المأثور (أنا أفكر إذا أنا موجود ) ،ولكن للأسف ظهور ماركس وتحول الفلسفة إلى فلسفة مزيفة وإختفاء الفلاسفة في عصر الحديث أدى إلى عدم فهم آراء فلاسفة العصور الماضية لتطويرها، فآراء ديكارت تدرس في كليات الفلسفة في جميع أنحاء العالم ولكن بطريقة سطحية لا علاقة لها نهائيا مع مضمون الفكرة التي كانت تبحث عنها روح ديكارت. فحسب رأي ديكارت أن اﻹنسان هو فقط يملك روح ، فإذا أخدنا هذه الفكرة برؤية سطحية فهي خاطئة ،لذلك نجد أن كثير من المفكرين وخاصة رجال الدين عارضوا هذه الفكرة ،ولكن إذا تمعنا في مضمون فكرته فسنجد أنه على حق فهو يقصد أن اﻹنسان هو الكائن الوحيد الذي يملك في تكوينه جزء من روح الله،هذا الجزء جعله يعيش ويشعر بقوانين كلا الكونين الواقعي والمجاور، أما الحيوانات فهي تعيش في الكون الواقعي ولا تستطيع العبور نحو قوانين الكون المجاور. فهذه اﻹزدواجية ( روح- مادة ) تتوقف على عالم اﻹنسان فقط.
كل شيء مهما كان يملك روح ، بدون روح لا يوجد مادة ، الوجود يصبح لا شيء ، أصل الوجود هو الروح ، المادة هي الثوب الذي تصنعه الروح ليعبر عن طبيعتها التي في داخله. وطالما أن المادة تعبر عن درجة تطور الروح لذلك أصبح لدينا ثنائية الوجود (روح - مادة ) ،أو كما هي في عالم الصغائر ( موجة - جسيم ) لذلك عند وضع اﻷلكترون تحت المراقبة يظهر بصورة جسيم (مادة ) ﻷن الروح غير مرئية وكأن الجسيم نفسه هنا يخبرنا بان ننظر إليه بروحنا وليس بأعيننا لذلك يتحول إلى جسيم ، فوجود الروح في جسيمات عالم الصغائر يجعل لها نوع من الفكر فهي تشعر بما في فكر العالم وهو يقوم بالتجربة فإذا شعرت أنه يراقب تصرفاتها تتحول إلى أجسام صلبة ، هذه الظاهرة في البداية لم يصدقها أحد فهل من المعقول هذا الجسيم الذي يتناهى في الصغر أن يتصرف كطفل صغير ،ولكن التجارب أثبتت صحة هذا القانون. فعالم الصغائر يبدو لنا بأنه فعلا عالم عجيب، ﻷننا نظن أن الكائنات الحية هي فقط لها روح ،ولكن في الحقيقة وجود الروح في كل شيء خلق مراحل مختلفة من أشكال الحياة ، فالجسيمات في عالم الصغائر هي عبارة عن كائنات حية ولكن طبيعة حياتها بسيطة جدا تختلف كثير عن معنى( حي) المعروف، ولكنها تملك صفة الوعي وخصائص الروح التي تجعل من عالم الصغائر عالم عجيب ، وهذه هي إحدى المراحل البدائية في تطور الروح ، هذه الصفة أثناء تطور الروح تختفي مع دخول التطور في مرحلة تكوين المادة المركبة عن طريق إتحاد الذرات ، ثم تعود بشكلها البسيط مع تكوين ال DNA وتكتسب صفة التكاثر، فهذه المرحلة هي مرحلة تطور مادي لذلك الروح تفقد خصائصها ولكن مع ظهور اﻹنسان وبدأ عملية الصفاء الروحي تكتسب الروح خصائصها الحقيقية ثانية تلك التي نراها فقط في عجائب عالم الصغائر.
المشكلة أن التأثير السلبي لنظرية داروين على طريقة تفكير الإنسان حتى اﻵن لم يشعر به العلماء. فهذه النظرية صنعت نوع من اﻹنحطاط الفكري وجعلت اﻹنسان يخرج من الكون المجاور ليعيش بشكل مطلق في الكون الواقعي فجعلته يفكر بنفس المنطق الذي يفكر به القرد تماما، يرى فقط الروابط المادية بين اﻷشياء ، أما الروابط الروحية فلا يحسب لها أي حساب في أبحاثه. فإذا نظرنا إلى جميع نظريات العصر الحديث وأهمها نظرية داروين، نجد بأن جميعها تنطبق على الكون الواقعي ، ولكن فيزياء الكم تقول لنا أنه هناك عالم آخر ضمن هذا العالم الذي نعيشه ،وهذا العالم له قوانين مختلفة نهائيا عن الكون الواقعي ،وهذه القوانين لعبت دورا كبير في تطور كل شيء في هذا الكون منذ بدايته وحتى اﻵن ، فمثلا خروج موسى عليه الصلاة والسلام حدث إعتمادا على قوانين فيزياء الكم حيث إستطاع صنع الكوارث والتي جعلت من فرعون سواء شاء أم أبى أن يترك شعب إسرائيل ليخرج من مصر ، أيضا معجزات عيسى عليه الصلاة والسلام إعتمدت على قوانين فيزياء الكم ، فعيسى ظهر لمدة ثلاث سنوات فقط في منطقة تقع ضمن أراضي أقوى إمبراطورية في العالم في ذلك الوقت ورغم معارضة حكام هذه اﻷمبراطورية بمنع إنتشار الدين المسيحي وبدلا من أن تنقرض الديانة المسيحية نجد أن المسيحية إنتصرت على ديانة هذه اﻹمبراطورية وتحولت اﻹمبراطورية بأكملها إلى مسيحية دون إستخدام إي نوع من أنواع اﻹسلحة. هذا الحدث التاريخي يعتبر من أكبر المستحيلات في العالم الواقعي.
أرسطو الذي يعتبر من أذكى المفكرين في تاريخ البشرية ،كان يدرس قوانين الكون الواقعي ،لذلك كان منطقه ذو مذهب مادي، فعندما سمع أن تلميذه إسكندر المقدوني الذي لا يتجاوز العشرين من العمر يعد جيشه ليحارب جيوش الفرس التي كانت في ذلك الوقت أقوى إمبراطورية في العالم ، إعتبر اﻹستاذ أرسطو أن سلوك تلميذه إسكندر ضرب من الجنون ، فجيش إسكندر كان لا يتجاوز ال 35 ألف جندي بينما جيش الفرس كان أكثر من 250 الف جندي ، فذهب أرسطو إلى إسكندر وحاول إقناعه بأنه سلوكه غير منطقي وأنه سيخسر الحرب، ولكن إسكندر حمل جيشه وخلال سنوات قصيرة إنتصر على جيش الفرس وجميع الجيوش التي صادفها في طريقه حتى وصل إلى الهند، هنا أيضا حدث تدخل من قوانين الكون المجاور (الفيزياء الكم) .هذا الحدث التاريخي هو إثبات بأن العالم الذي يعيشه اﻹنسان لا يتبع قوانين الكون الواقعي ولكن قوانين الكون المجاور (فيزياء الكم ).
هذه اﻷمثلة يمكن رؤيتها ﻷنها حدثت في تاريخ اﻹنسان ولكن هناك أمثلة عن تدخل قوانين الفيزياء الكم في مجالات أخرى من جميع العلوم، فجميع النظريات التي ظهرت في القرن الحديث تعاني من ضعف ، لذلك يجب تصحيح جميع هذه النظريات عن طريق إستخدام مبادئ فيزياء الكم ، يجب على العلماء النظر إلى اﻷمور برؤية إنسانية تؤمن بقوانين راقية أرقى بكثير من تلك القوانين المادية التي يعتمد عليها الكون الواقعي ، فنظرية داروين لا يمكن إثبات إنحطاطها الفكري إلا عن طريق دراسة التطور الروحي للأشياء هذا النوع من الدراسة يستخدم قوانين فيزياء الكم التي تتناسب مع تلك القوانين التي أثرت على مجرى تطور الحضارات ، فالجميع يعلم بأن نظرية داروين عاجزة عن تفسير الكثير من الظواهر، ومن يبحث في نشوء الحضارات وتطورها يجد أنها تخالف نهائيا مبادئ نظرية داروين فحسب نظرية داروين كان يجب أن يحدث إنقراض الديانة المسيحية ولكن هذا لم يحدث ،بل حدث العكس إنقرضت ديانة اﻹمبراطورية الرومانية. تماما كما حدث مع إنقراض الديناصورات ،
أيصا نظرية نشوء المجموعة الشمسية تعاني من ضعف وهناك الكثير من العلماء يشكون بصحتها ولكن المشكلة لا يوجد نظرية أفضل منها لترضي الجميع لذلك معظم العلماء يتقبل بها ريثما تظهر نظرية أفضل منها.
ما يجب أن يعرفه اليوم شباب الشعوب الشرقية ، أن العلوم اﻷوروبية دخلت في مرحلة اﻹنحطاط وكل ما نراه اليوم من إختراعات هي البقايا الحسنة لحضارة عصر النهضة ، وأن اﻹنسانية اليوم تعيش مرحلة تغيير حضاري وأنه جاء دور الشعوب الشرقية لتحمل النور لتضيء الطريق أمام التطور الحضاري فما يحصل اليوم من إنحطاط روحي في معظم المجتمعات اﻹنسانية سببه ليس الشعوب الغربية فقط ولكن الشعوب الشرقية أيضا ، فعلماء عصر النهضة اﻷوروبية قاموا بدورهم في تطوير العلوم المادية على أكمل وجه ،وأتى اﻵن دور الشعوب الشرقية، فهدف الحضارة الجديدة هو تطوير القسم الروحي في العلوم. وهذا الدور هو من مهام الشعوب الشعوب الشرقية ، فليس من الصدفة أن الكتابة والتي تعتبر أهم إنجاز حققته اﻹنسانية ظهرت في الشعوب الشرقية ، لذلك نرى أن لغات الشعوب الشرقية بشكل عام تكتب من اليمين إلى اليسار ( أصحاب اليمين ) فهذا السلوك هو رمز روحي له معنى أن الشعوب الشرقية تبدأ بحثها من الروح ( الوجود اﻹلهي ) لتنتقل إلى دراسة المادة إعتمادا على قاعدة روحية. بيننما الكتابة في الشعوب الغربية فجهتها من اليسار إلى اليمين أي أنها تعتمد قاعدة مادية ، لذلك نرى أن الشعوب الغربية كان لها فضل كبير في تطوير العلوم المادية كما حدث في الحضارة اﻹغريقية والرومانية وعصر النهضة ، ومن المعروف عنها أنها كانت حضارات فقيرة باﻹهتمامات الروحية ،بينما الشعوب الشرقية كانت إهتماماتها تعتمد بشكل أساسي على تقوية العلوم الروحية لذلك جميع الديانات العالمية ظهرت في الشعوب الشرقية ومنها إنتقلت إلى جميع الشعوب الغربية لتحل بدلا من دياناتها القديمة. فاﻹنسانية اليوم - كما ذكرت - تعيش في مرحلة تغيير المجرى الحضاري للإنسانية من حضارة مادية إلى حضارة روحية فعلماء عصر النهضة قاموا بدورهم على أكمل وجه في تطوير العلوم المادية والتي كانت نتيجتها ظهور هذا النوع من علم الفيزياء (فيزياء الكم ) وأتى اﻵن دور الشعوب الشرقية للتنقيب في خفايا هذا العلم وإستخدامه في تطوير القسم الروحي من المعارف اﻹنسانية والذي سيحقق تطور روحي جديد لها . لذلك يجب على شباب الشعوب الشرقية أن يثقوا بالله وبأنفسهم ويبتعدوا عن ااﻹعتماد على تفسيرات علماء الغرب بشكل أعمى بدون تحليل أو تدقيق ، وتأكدوا تماما بأن جميع تفسيرات علماء الغرب في العصر الحديث للسلوك الروحي للإنسان واﻷشياء التي تحدث في الكون هي خاطئة ، وتحتاج إلى تصحيح ،وأفضل إثبات على ذلك، هو ما يحدث من تغييرات في مناخ الكرة اﻷرضية فرغم تطور التكنولوجيا والعلوم المادية نجد أنه بدلا من تحسن البيئة الطبيعية في الكرة اﻷرضية التي تعتبر بيت اﻹنسان، نجده قد وصل إلى مستوى مخيف دفع بعض العلماء إلى التفكير في بحث موضوع مدى إمكانية اﻹنسان في الهجرة إلى كوكب آخر.
مثال آخر ،أبسط للفهم ، مع قيام الوحدة اﻷوروبية إستخدم المسؤولون أفضل العقول البشرية في علوم اﻹقتصاد من أجل تحسين الوضع اﻹقتصادي لشعوب هذه الدول المتحدة ، اليوم اليونان ومنذ خمسة أعوام تعيش في كارثة إقتصادية يرثى لها ،حيث كان عدد حوادث اﻹنتحار في اليونان قبل اﻷزمة اﻹقتصادية لا يتجاوز (3-5 ) أشخاص، ولكن منذ دخول اليونان في اﻷزمة اﻹقتصادية وحتى اﻵن فقد تجاوز عدد ضحايا اﻹنتحار ال(13000) شخص، عدد السرقات والجرائم تضاعف بشكل مخيف ، وما يحصل في اليونان يحصل في معظم الدول اﻷوروبية الجنوبية، وفي المستقبل ستنتقل هذه اﻷزمة إلى جميع الدول اﻷوروبية ،والسؤال هنا ما فائدة تلك الشهادات العلمية في اﻹقتصاد إذا لم تجعل اﻹنسان يشعر بأنه يعيش في مجتمع إنساني يضمن له المحافظة على إنسانيته.
هذا حال الدول المتقدمة التي تستخدم أكبر خبرات علمائها ، فمن الطبيعي أن تمر الدول النامية بوضع أسوأ بكثير. ولكن مهما يكن الله موجود، وهو يمهل ولا يهمل وقوانينه ستسير كما يشاء هو وسيستيقظ العلماء من سكرتهم الطويلة في يوم قريب ليتبدد الظلام ويظهر النور لتسير اﻹنسانية ثانية في طريقها الحضاري السليم بإذن الله.