أيها الإعلاميون العرب: اتقوا الله في حكامكم
أيها الإعلاميون العرب:
اتقوا الله في حكامكم
عبد الله عيسى السلامة
يا رجال الإعلام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد.. اتقوا الله يا رجال الإعلام في حكامكم..
اتقوا الله في هؤلاء الحكام، ولا تشوّهوا سمعتهم أمام شعوبهم..
لقد وظفوكم في أجهزة الإعلام، لتخدموهم، أو لتخدموا بلداتكم، أو لتخدموا الجهتين معاً، فلا تشوّهوا سمعة الحكام، وتخربوا بلداتكم.
إن التلفاز والإذاعة في كل بلد عربي خاضعان للسلطة السياسية.. وكل مادة تعرض فيهما تحسب للسلطة أو عليها.. وإن الناس لا يعرفونكم.. لا يعرفون ميولكم وأهواءكم وأخلاقكم، إنما يعرفون الوسائل التي تعملون فيها، ويعرفون أن هذه الوسائل مملوكة للسلطة السياسية، ناطقة باسمها، خاضعة لتوجيهها.. وأية مادة تعرض فيها، إنما تعبر – بالضرورة - عن وجهة نظر هذه السلطة وعن أخلاقها، وعن القيم التي تؤمن بها، وعن الأمور التي تمنعها والأمور التي تسمح بها.. هذا ما يفهمه الناس في بلادنا.
وعلى هذا، فالبرامج الخليعة والمشاهد الساقطة التي تعرض في هذه الأجهزة، إنما تعرض –حسبما يفهم الناس- بأمر من السلطة الحاكمة، أو بإذن منها، أو بتوجيه، أو بسماح، أو بغض نظر متعمد، أو بتغافل مقصود، ولن يصدّق أحد، أن مدير التلفاز الفلاني، إنما يتعمّد عرض الخلاعات لإفساد أخلاق الناس من تلقاء نفسه.
ولن يصدق أحد، أن مدير البرامج في الجهاز الفلاني، رجل سافل منحط، ويسعى إلى تخريب أخلاق الأمة، بمبادرة شخصية من تلقاء نفسه..
لن يقتنع أحد، بأن المطرب المخنث الرقيع (فلان) إنما جاء به إلى الإذاعة أو التلفاز رقيع مثله، دون سماح من السلطة السياسية..
ولن يؤمن أحد، بأن الساقطة الفلانية –مطربة الجيل- إنما استجلبها إلى وسائل الإعلام، ساقط مثلها، أو ساقطة من طرازها، لتفسد أخلاق الناس، بمبادرة تلقائية، من (الإعلامي) النذل، أو (الإعلامية) الوضيعة، دون رغبة أو هوى أو إرادة أو سماح، من السلطة الحاكمة العليا..
ولن يتصور عاقل، أن الدعايات التي تبثها وسائل الإعلام الحكومية، لتزيّن بها الربا، والميسر، والزنا، وسائر المحرمات، إنما ابتدعها موظف فاسق، من موظفي الأجهزة المذكورة، من وراء ظهر (الحكومة) وأن هذه الحكومة غير عالمة بها، أو غير راضية عنها..
لا لا.. لن يؤمن أحد، ولن يصدّق، ولن يعتقد، ولن يتصوّر، أنكم معشر الإعلاميين، تشكلون بؤرة فساد، مستقلة عن إرادة السلطة الحاكمة وعن توجيهها..
وبناء على هذا، نرجو أن تعلموا أيها السادة، أنكم – بكل مادة ساقطة أو فاسقة أو كافرة تعرضونها في وسائل الإعلام - تسببون نقمة من قبل الشعوب على حكامها، فتنصبّ الشتائم واللعنات، على رؤوس المسؤولين الكبار، الذين يأمرون، أو يسمحون، بعرض هذه المواد على الناس، أو الذين وظفوكم لإفساد أخلاق الأمة..
أما أنتم، فتأتيكم الشتائم واللعنات بالتبعية، لأن الناس ينظرون إليكم نظرتهم إلى خدم صغار، ينفذون أدواراً قذرة لمصلحة أسيادهم، فيلعنونكم بالتبعية، بعد أن يصبوا غضبهم على الأسياد أولاً..
فلماذا؟ لماذا أيها السادة؟ أأنتم مأمورون حقاً، من قبل حكامكم، بأداء هذه الأدوار الرهيبة المدمّرة؟ هل طلب منكم وزراء الإعلام، تنفيذ دورات برامجية معينة، مشحونة بالخلاعة والمجون، وأفهموكم بأن هذه الطلبات، إنما هي طلبات الحكام، من ملوك ورؤساء وأمراء..؟ وهل طلبوا منكم – باسم الحكام - التحلل من كل قيمة سامية، ومن كل خلق نبيل؟ وهل أغلقوا أمامكم كل أبواب الحكمة والحشمة والرصانة والأدب والوقار؟
نحن أيها السادة، لا نظن الحكام على هذه الدرجة من السوء! بل إننا لنحسن الظن ببعضهم، ونعتقد أن لدى عدد منهم شيماً نبيلة وأخلاقاً كريمة، وأن بعضهم لا يرضى بهذه الفواحش التي تعرضونها في أجهزة الإعلام، وإن رضي بها، فقد لا يأمر بها، ولا سيما أن الحكام جميعاً يعلمون أنهم يحكمون شعوباً إسلامية..
فلماذا تصنعون هذه الفجوات الواسعة، بين الحكام وشعوبهم؟ لماذا تستثيرون نقمة الشعوب ضد حكامها، بنزواتكم العابثة الرخيصة؟.
لماذا تسجلون في صفحات الحكام، كل هذه الآثام، ليحاسبوا عليها يوم القيامة، بصفتهم مسؤولين عن وسائل الإعلام، وعمّا يعرض فيها؟
لماذا.. لماذا يا رجال الإعلام؟
لماذا تجعلون من حكامكم آلهة، أو أشباه آلهة؟ أهم طلبوا منكم ذلك؟ أهم طلبوا منكم أن تجعلوا من وسائل الإعلام، التي يدفع الشعب أثمانها، ويدفع لكم أجوركم للعمل فيها، أبواقاً لتمجيد أشخاصهم، والتسبيح بحمدهم ليل نهار؟!
إنا نشك في أن يكونوا قد طلبوا منكم كل هذا التطبيل والتزمير لهم، إذ أننا نعتقد أن لدى الكثيرين منهم عقولاً تمنعهم من ذلك، وشيماً تردعهم عن ذلك.. فماذا يبقى؟ يبقى أنكم أنتم أصحاب المبادرة في هذا كله.. فلم تفعلون هذا؟ أتفعلونه تقرباً منهم وتزلفاً إليهم؟ فإذا كان الجواب الوحيد على هذا السؤال هو "نعم" فهل تعتقدون أنكم تخدمونهم وتقدّمون لهم خيراً بممارساتكم هذه؟ كلا أيها السادة الإعلاميون.. إنكم تسيئون إليهم أبلغ إساءة، إذ تجعلونهم في عيون شعوبهم مجموعة من الحمقى المغرورين، الذين لا همّ لهم سوى سماع عبارات المديح تكال لهم، فينتفخون بها كالبالونات الجوفاء.. ولو لم يكونوا كذلك، لما قبلوا بكل هذه السيول الجارفة من عبارات المديح، التي تنصب في آذانهم صباح مساء..
أجل، أيها السادة.. هكذا تتصوّر الشعوب حكامها، حين تسمع عبارات المديح تنصبّ من أفواهكم في وسائل الإعلام صباح مساء، والحكام صامتون، وسكوتهم على ما يسمعون، دليل على رضاهم به..
فلم تدأبون أيها السادة، على إعطاء هذه الصورة الهزيلة عن حكامكم؟
أما مصلحتكم فقد عرفناها – وهي التزلف إليهم - فما مصلحتهم هم من هذا؟
إنا نرى أنكم تفسدون علاقة شعوبهم بهم غاية الإفساد، بهذه الممارسات المنحرفة التي تمارسونها.. للأسباب التي ذكرناها آنفاً..
فاتقوا الله أيها الإعلاميون.. اتقوا الله في حكامكم.. وفي شعوبكم.. وفي أنفسكم..