صاحبة الجلالة
صاحبة الجلالة
بلال الزين
تتساقط نجوم الساحل الغربي ...
وتكثر هفوات العالم المتدني ...
ويعتلي أبناء الخطايا العرش ...
وتشمخ خطاياهم على سلم المجد ...
ويغدو غديرا أحمرا دموع العذارى ...
ويأتي صاحب القبر يرفع عتبات قبره ويزيل رماله عن وجهه ...
ثم يرتكز على شاهد قبره ويسير متكئا عليه ...
تخرج الضباع من أوكارها ...
وتنعق الغربان في الصباح عوضا عن صوت فيروز الذي ماعاد يطرب أحدا ...
ويشدو نزار بقصائد الوعظ ...
وتعكف بنات الليل الى نسكها متهجدة تطلب الرحمة من خالقها ...
وتعزف الأفاعي ألحان الحب ...
وتزأر البلابل وتنبح العصافير ...
وتتعالى قهقهة النساك ...
ورائحة الخمر في المعابد تعطر الأجواء ...
تشرق الشمس ليلا ولايطلع قمر أبدا ...
وعلى الجهة الأخرى من المدينة .. وبمحاذاة البركان الذي يثور بحمم ثلجية .. وعقارب كثيرة تطير محلقة في السماء ممسكة بأغصان الغرقد .. تزرع الشوك فيأتي الناس فرحين ببهجة الموت ...
يتخاذل الفرسان .. ويثور الجبناء .. وتبقى المائدة المستديرة فارغة ولكنهم يستديرون حول مقصلة السعادة ... ...
ومن بين الجموع الحاشدة حيث السكون قد حط رحاله .. والظلام ساطع .. والشوارع ملئى بالفراغ والدروب مقفرة .. تأتي تسير بخيلاء تتمايل كغصن بان اكتسى منه الخيزران نحولة فبان اعوجاجه .. ولكن قدها يشدو بكبرياءها ...
تحمر وجنتاها خجلا رغم سطوتها وجبروتها وكأنما الورد قد اختلس شيئا من نظارتها في ربيعه .. وقد خطت عروقها الوان مائية تموج بعنفوان مجدها وريعان شبابها وكأنما اللون الأزرق المائي يعبر سهولها الخصباء يوحي بوحي الحياة في بدوات الفناء ...
نسمات شمالية تبعثر شعرها الأشهب المتجعد على أطراف اللوحة التي ابدعها ملك الجمال .. تعصبه بعصبة غجرية توقف استرساله حتى لا يتلوث بهواء المدينة المنهارة فتجعله يتمدد على جسدها الغزلي .. تطير خصلة منه وتنزل بهدوء على وجهها الملائكي الذي كور القمر شبها له ولكن ماعاب القمر انه لم يدبب أسفل منه كما ذقنها .. يبرز من منتصف هذا الوجه الذي افنى نحاتو الرومان حياتهم لكي يعيدوا نحت فينوس شبها له فما استطاعوا .. يبرز منه أنف لايوصف حدة وجمالا الا انه انفها .. تنزل اسفل منه شفتان كما المسك اريجا وعطرا بل وحدة عند اللثم .. قد لمتا كما الُّلما سُمرة حتى احتار اباطرة الشعر من عرب وفرس ورومان في وصفهما ...
تعتلي فرسها تدرج بها درجا كما الملوك ابهة وعظمة .. تهتز منها رمانتي صدرها .. كما فرسان القرون الوسطى تضرب يمنة ويسرة مع انها لا تحمل سيفا ولا ترسا ولكنها تحمل نظرات قاتلة خرجت من عيونها التي حار كيوبيد في سحرهما فما استطاع ان يرميها بشيء من سحره ولكن أسهمه باتت تطلب الرحمة منها ...
تسير بين الأشلاء وفوق الجماجم من ضحاياها .. ثم تسير مسرعة حتى تصل ساحل النجوم .. تنظر في الأطراف ملية .. ثم تطيل النظر على امتداد الساحل وتنزل عن فرسها تمسك النجوم نجمة فأخرى تعيدها مكانها .. وترصفها رصفا كما كانت .. ترفع يدها نحو السماء يتدلى رداءها على ذراعها لترصف آخر نجمة لديها ..
ثم تركب فرسها وتسير فترى كوكبا قد نسيت اعادته او تناست فتغضب بشدة .. ثم تعود اليه وتدوسه بحوافر فرسها .. تذهب بعيدا ثم تعاود الكرة انقضاضا حتى يكاد يلفظ انفاسه .. فتتركه تحسبه قضى نحبه وتبتعد في الأفق كانها ماكانت ...
وتموت الحياة ..وتعتلي صاحبة الجلالة العرش .. وتتكسر الأسهم .. ويعتلي الموت سماء الكون .. وتبقى السماء تنقص كوكبا اندثر تحت حوافر الخيل في رمال الساحل الغربي.