أيامٌ كالحلم
د.محمد إياد العكاري
تتساقط صفحات أيامي وتتطايرأوراقها كأوراق أ شجارالخريف لتترقرق قطرات من الدمع وتنساب حرّى متتابعة على خديَّ فأغمض عينيَّ قليلاً لعلهما يبردان ظمأ قلبي وصدى روحي باستعادة بعض ذكريات الأيام الجميلة هناك عندما كنت في الشام وكانت تحتضنني قبل أكثر من ربع قرنٍ من الزمان أعود إليها مستذكراً ذاك الفتى الذي لا يهدأ بحركته وهمته ، وجرأته وخفته لأتذكرنظراته ، وأُبصرتطلعاته كان كتلة متحركة،ودولاباً دائراً،وشعلةً متوقدة،لأفتح عينيَّ فإذا أنا لست هناك لأعود وأغمضها من جديد محاولاً استرجاع ذاكرة الأيام لأرى ذاك الفتى هناك حيث يعرفه أهل الحي كلُّهم، يحبهم ويحبونه، ويحترمهم ويقدرونه ،كان يافعاً يانعاً كغصن وقف عليه بلبل غريد، رائعا بأمنياته كالربيع صافيا بفكره كصفاء صفحة الماء على بركةٍ عذبة أول النهار يعيش الحب ....ويحياالإخاء..... قلبه ينساب بين محبيه... وقلوبهم تسكب أرواحها فيه ،تخيَّر الصحاب من الخيرة والصفوة.... كانوا كأصابع الكف في الراح ....أرواحهم متعانقة... قلوبهم متلاصقة... عيونهم تتبع النور،وحديثهم يمتح السرور فشرد ت منتبهاً ليضيع مني الحلم وأبصر واقعاً مخالفاً لما كنت غارقاً فيه لأحاول مرةً أخرى استعادة ماكان من
ذ كرياتٍ جميلةٍ هناك في رمضان بنهاره و لياليه وكيف كانت مائدته ذات الطابع المميز وصاحبة الطول والعرض والكل حولها كأنهم كواكب تتحلق حول مائدة الإفطارالشهيةمبتهجين مهللين بسماع دوي مدفع الإفطار وماأوقع مايحدثه في النفوس.
ما أروعك يارمضان...وما أعظمها لحظات الإفطار فالكل في استنفارّ كلٌ يتمتم قبل تناول إفطاره ليبتدأ بالتمرات ليتناول ذاك الفتى طعام الإفطار مسرعاً وكأن شيئاً يدفعه وقوةً تنهضه وتسحبه من بينهم ليقوم بعد الصلاة ويستمع إلى الشيخ محمد متولي الشعراوي وحديثه الرائع بعد الإفطارفي الرائي في الغرفة المجاورة وما أن ينهي الشيخ حديثه حتى يستقل الفتى سيارته رقم11راج ل ليسوقها بدون رخصة وموديلها57 م ويذهب من بيت أهله الواقع في المزرعة قرب ساحة الشهبندرمسرعاً ليتجه بعدذلك لساحة السبع بحرات حيث جامع بعيرة الذي كان يصلي فيه وفيه سبيل ماءٍ يالهناه ثم يتجه لشارع بغداد حيث يبدو خالياً وليس هذا حاله بل حال جميع الطرقات فالناس مازالوا في بيوتهم وباقٍ على أذان العشاء ربع ساعةٍاوأكثر وهكذا حتى يصل إلى تربة الد حداح ليتيامن بعدها متجهاً إلى العيبة ماراً بجامع التوبة و حارات دمشق القد يمة وأقواسها الرائعة ليصل بعدها إلى العمارة ليتابع السيروكأن المسافات لاشيء عنده وهكذاحتى يصل إلى قرب قبر صلاح الد ين الأيوبي قائد معركة حطين حيث يكون حينها بجانب البوابة الشمالية لمسجد بني أمية الكبير ليدخل بعد ذلك منها إلى المسجد ثم إلى مقام رأس الحسين رضي الله عنه الواقع في الناحية الشرقية للمسجد حيث يصلي شيخ قراء دمشق كل رمضان صلاة التراويح وكان وقتها العالم الفاضل الشيخ حسين خطاَّب -رحمه الله- الذي كان صوته ينساب شجياً عذ باً كأنما يتنزل أيام الرعيل الأول لصفائه ونقائه وكان يقرأ كل يوم جزءاً بعشرين ركعة وكان لرؤيته هيبةًَ ووقاراً النور إكليلٌ على جبينه ، والوقار تاجٌ فوق رأسه، والتواضع أجمل حلله
أجل والله ليختتم القرآن ويدعومع نهاية كل ليلة طائراً بالمصلين ،محلقاً بهم إلى عالمٍ علوي كانت القاعة تضج بالعلماء أمثال الشيخ عبد الرزاق الحلبي وغيره وغيره ونخبة من خيار الناس فضلاً وعلماً كانت والله أياماً وليالي دريةً عبرت كالخيال ومرَّت مسرعة
يا لروعتها.. وألقها.. وشفافيتها.. وإشراقاتها.. كانت هناك في مسجد بني أمية الكبير دُ رَّة الشَّام، وجوهرة د مشق، وعروس الطهر،وقلب الحق، وروح المجد الأ ثيل لأتذ كر وأتذ كر وإذ بصراخ رضيعٍ يقطع عليَّ شريط
الذِّ كرى لأجد نفسي بين ولدي سعد وأمَّه التي أتت إليه حانيةً منجدةً وإذ نحن في غربتنا بعيد ين عن الأوطان نتجرع الآه لتتعالى وتتعالى ليعود صداها بألمٍ إلينا بعد اصطدامها بالجد ران السميكة، والقلوب المقفلة، والعقول التي تحجَّرت وإذ بقطراتٍ تتدافع من جديد شوقاً وحباً ووجداً وقرباً لتنطق روحي... وتصرخ جوارحي كلها...قائلةً:
أحبك يا بلادي ....أحبك يا شآم..... أحبك ياقاسيون …تذكرت هنا ماقلته فيه
وأبوحه لكم في الختام :
مـن قاسيونَ يطلُّ المَجدُ مُلتحفاً
تـطوفُ فيها على أمواجِ قَافيةٍ
وسـفـرُها خطَّهُ بالنُّورِ كوكَبَةٌ
يموتُ جيلٌ ويبقى العِزُّ يحضُنُهابـغـوطةِ الشَّامِ والعُشَّاقُ أقْلا مُ
جـمـالُـها البِكْرُ إبداعٌ وإِلها مُ
لـطَـالما سُرُجُ الأحرارِ إقدامُ
روحُ الـكَـرامةِ فيها إنَّها الشَّام