ضيف كلِّ الفصول ..

ضيف كلِّ الفصول ..

بقلم / نور الجندلي

حمص - سوريا

[email protected]

عرفتهُ منذ زمنٍ طويل ، عندما كان يزورنا في كل عام ..

كان شاباً .. وسيم الطلعة ، أنيق النظر ، له هيبة كبيرة ووقار ..

في ابتسامته حرارة وصدق ، وفي قلبه دفء كبير وعنفوان

أحببتهُ وقد كنتُ صغيرة ، وكان عمره تسعاً وعشرين .. أو ثلاثين .. لستُ أدري !

لكنني تعلقتُ به بشدّة ، وصرت أرقب قدومه كلّ عام ..

وعجبتُ له كيف يحافظُ على هذا الشباب الدائم ، وأنا أكبر مع الأيام وأشيخ وأهرم ويواريني التراب ، ويبقى هو ضيفَ كلِّ الفصول يأتينا في موعده كلما لاح الهلال !

وقعت هيبته في قلبي مذ رأيتُ الناس يستقبلونه بحفاوةٍ وحبّ كبيرين ، ويجتمعون في المساجد كلما لاح ..

أعجبتُ بتواضعه وهو يمرُّ بهم بيتاً بيتاً ويصافحهم فرداً فرداً ، ويبتسمون ..

وأبكي ...... حبّاً وشوقاً وحنيناً ..

وأهمسُ له بصمتٍ ....... لقد طال الانتظار ...

على شرف قدومه كانت تقام الموائد العامرة ، ويأكل الأغنياء بجوار الفقراء ، ويسري في المكان جوّ حميمٌ من ألفة ، يجعلني أشمخ معتزّة بما يحدث ..

فهذا حدث يبدو لي كأنه خارج من نطاق الزمان ، والجشع هو حلّة يرتديها الأغنياء في العالم ، والطمع يرتديه الفقراء !

وتحلو اللقاءات في المساجد ، لا يتغيب فرد من أسرة ، وتقام الصلوات ، وتغسل الذنوب ، ويكبر القلبُ بما يلفّه من ضياء ..

وأبقى معه ، أتعقب تواجده لحظه بلحظة ، وخطوة بخطوة ، أحاول ألا أتركهُ لحظة .. وأن أسكبَ في روحي من عطايا الرحمن عند تواجده الشيء الكثير ..

أصوم في النهار عن كل ما يعكرني ، حتى الطعام وحتى الشراب ..

وأقوم الليل خاشعة .. يرافقني نسيم عطره ، وآياتُ القرآن ..

ومن جمال حضوره أنه لا يغادر قبل توزيع الجوائز ، أغمضُ عينيّ ، أتخيّلُ جائزتي ، أتمناها جنّة ، أو قصراً أو بستاناً أو فردوساً ..

وأفتحهما من جديد ، لأجد قلبي يدعو ، وجوارحي تؤمّن .. وروحي تعلو وتعلو ، حتى تنتشي بجمال اللقاء ..

لحظاتُ الوداع كم تحزنني ، وكم يبكيني الرحيل ..

أرجوه بحبّ أن يبقى قليلاً إلى جانبي ..

يرتجف قلبي ألماً ، حين يغادرني بصمت ، وألوّح أنا بالوداع ..

أتأملُ ملامحهُ المضيئة وسؤالٌ يحتلني ..

ترى .. هل سنلتقي في يوم ؟ وهل تعودُ إليّ مشتاقاً يا ضيف كلّ الفصول ؟

أم أنكَ ستأتي إلى هنا فلا تجدني ...

عندها سيكون قد فات الأوان !