رسائل في عهد الزُّور.. والبخور
رسائل في عهد الزُّور.. والبخور
أ.د/
جابر قميحةأبادر فأعتذر للقراء الذين أرسلوا إليَّ عشرات من الرسائل, بعضها بالبريد, وبعضها «بالفاكس», وبعضها بالبريد الضوئي Email وقليل منها بالهاتف.. أعتذر لهم لأنني لا أملك القدرة علي أن أرد علي هذه الرسائل كلها, فهي تحتاج إلي كاتب متفرغ, يحصر كل جهده في الرد علي هذه الرسائل, كما أن المساحة المتاحة لي في الصحيفة لا تتسع لهذه الردود, كما أن هناك مشكلات وقضايا علي المستويات المحلية والعربية والعالمية تفرض نفسها علي حامل هذا القلم .
ولكني -بقدر المستطاع- أرد علي بعضها, وغالبًا ما يدور حول مشكلة عامة . وفي مقالاتي السابقة ما قد يجد السائل جوابًا شافيًا لسؤاله.. وأخيرًا أعد القراء أن يكون لي -ما سمَحت الإمكانات- وقفات مع بعض هذه الرسائل وهأنذا أعرض بعضها بقدر ما تسمح لي المساحة المتاحة :
مأساة في طب الإسكندرية
أبدأ برسالة ساخنة من الإسكندرية أعطاها صاحبها عنوانًا ملتهبًا نصه «هل تمّ
خصخصة جامعة الإسكندرية لصالح السيد رئيس الجامعة ? » ويحمل صاحبها بشدة علي
رئيس الجامعة " الدكتور محمد عبداللاه " لأنه «حدث في كلية طب جامعة الإسكندرية
تعيين ما يقرب من خمسين طبيبًا بالجامعة تحت مسمي «طبيب ثالث» من دفعة سنة
2002, دون إعلان رسمي, وبتقديرات تقل عن زملائهم. وذلك مخالف للقانون وكل
اللوائح العامة واللوائح الجامعية. كما أن هؤلاء «الثوالث» يتميزون -بهذا
التعيين- عن زملائهم نواب الجامعة الأساسيين, والحاصلين علي تقديرات عالية جدًا
( ممتاز وجيد جدًا) بأن فرص هؤلاء الثوالث في التثبيت في الجامعة, أكبر من فرص
الأطباء الأصليين, وكذلك في التسجيل للماجستير.
وللأسف أنكر المسئولون في الجامعة -وعلي رأسهم رئيسها- هذه الوقائع.
وأنكروا وصول شكاوانا إليهم, وبها أسماء هؤلاء الثوالث, وتقديراتهم المتواضعة.
ونحن نرفع هذه الشكوي نيابة عن الأطباء من دفعة 2002 الذين سُلبوا حقوقًا هم
أولي بها من هؤلاء «الثوالث».. مطالبين السيد وزير التعليم العالي بالتدخل
الفوري . ومن أجل المصداقية إليكم بعض أسماء هؤلاء «الثوالث» المعينين بكلية
الطب بالجامعة..».
تعليق: الأسماء تحت يدي.. آملاً أن يحقق السيد رئيس جامعة الإسكندرية في هذه
الوقائع ونحن في انتظار رده علي صفحات «آفاق عربية».. آملين أن يوضع الحق في
نصابه
* * *
إنهم يأكلون بدينهم!!
وتلقيت الرسالة الآتية من: محمد.ع -الطالب بالسنة النهائية بطب المنصورة- وقد جاء
فيه ا:
شاء الله أن أشاهد المحن التي يمر بها الوطن كل يوم, ومنها: مسرحية الانتخابات,
والإعلانات الغريبة العجيبة التي تنال من ديننا وأخلاقنا. وقد رأيت -ضمن ما رأيت-
لافتة ضخمة بالألوان (في قرية محلة حسن- مركز المحلة الكبري), وفيها مبارك يرفع
يديه, وكتب تحتها بخط كبير قوله تعالي: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله, يد
الله فوق أيديهم).. لقد ضاقت بي الدنيا.. وصرخت بيني وبين نفسي: «حتي القرآن.. هكذا
تمتهنونه أيها المنافقون? أرجوك قل لي: ماذا أفعل? والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
ماذا تفعل?! أنت يا ولدي.. وكثيرون غيرك لا يملكون إلا أن يتجهوا بالدعاء إلي
الله.. أن يكشف الكرب والغمة, وينقذ وطننا الحبيب من الفئات الضالة المضلة. إنه نعم
المولي ونعم النصير.
ولعلك يا ولدي قد قرأت ما كتبناه علي صفحات «آفاق عربية» من كارثة تحيز كبار
الدينيٍن الإسلامي والمسيحي صراحة لمبارك, وتصويرهم أن التصويت له واجب ديني يقود
إلي الجنة, وقرأنا علي ألسنة هؤلاء العبارات الإنجيلية والدينية الآتية :
إن الله اختار مبارك لحكم مصر, وهو جنين في عالم الغيب - مبارك الآتي باسم الرب-
مبارك شعبي مصر.. وقرأنا قوائم باسماء كبار رجال الدين المسيحي, وعلي رأسهم الأنبا
شنودة في إعلانات (مدفوعة الأجر) يؤيدون فيها مبارك. ويخطب شيخ الأزهر خطبة الجمعة
... مبديًا فروض التأييد , ويدعو -بل ويأمر- الشيخ زقزوق -وزير الأوقاف- خطباء
المساجد وأئمتها إلي الترويج الدعائي لمبارك. إنهم يا ولدي العزيز كبار رجال الدين
يتدخلون في السياسة.. ومع ذلك يجرِّمون الإخوان المسلمين بدعوي تدخلهم في السياسة,
ويصرخون في وجوههم الصرخة الساداتية المشهورة: لا سياسة في الدين, ولا دين في
السياسة..
* * *
وكأن الساحة - يا ولدي - كانت تنقص حاملا جديدًا من حملة المباخر.. إنه شيخ -
غير معمم- يعمل مدرسًا بالأزهر, وعضو «فحل» من أعضاء لجنة السياسات اسمه عبدالله
(آسف) الدكتور عبدالله النجار, ويعمل كذلك مستشارًا لتحرير جريدة «اللواء الإسلامي»
التي يصدرها ما يسمي «الحزب الوطني». وأنا أعترف بأن له «حاسة بخورية» لاقطة,
وأعتقد أنه اكتشف في نفسه هذه الموهبة.. فقال لك: «لا شنودة.. ولا شيخ الأزهر.. أنا
بقي هنزل لهم بالتقيل», ولأن نتيجة نجاح مبارك كانت في 5 شعبان, رأيناه يشبّه هذا
النجاح بتحويل الرسول القبلة من المسجد الأقصي إلي المسجد الحرام بمكة» فقرأنا لهذا
«الأزهري البخوري» في صحيفة الجمهورية يوم (12/9/2005- 8 شعبان 1426): «إذا كانت
الشهور ترمز إلي معني معين فإن ما يرمز إليه شهر شعبان هو التغيير لما هو أحسن,
وأساس ذلك أن هذا الشهر الكريم كان ظرفًا زمانيًا لحادث تحويل القبلة من المسجد
الأقصي بفلسطين إلي المسجد الحرام بمكة المكرمة.. ومن قبيل المصادفات الحسنة التي
تجري تلك السنة الشرعية التي اختص بها شهر شعبان مع السنـَّة الكونية التي تجري علي
أرض الكنانة لأول مرة في تاريخها, وتمثل تغييرًا فاصلاً في سياستها بين عهدين: عهد
كان رئيس الدولة فيه يعين فرضًا علي أمته, ودون إرادة منها, وعهد جديد أصبح اختيار
الرئيس فيه مرهونًا بإرادة الأمة وحدها. وهذا ما يضفي علي هذا الشهر الكريم معني
جديدًا يجعله محبوبًا عند كافة الناس, كما قدر الله أن يكون محبوبًا عنده....».
ومن حق القارئ أن يضحك وهو يري «السيد النجار» العالم الأزهري يري في انتخاب
مبارك «سنة كونية», ويري فيه «إضافة جديدة» ترفع من قيمة شهر شعبان!!!!
واكتشف هذا البخوري أنها «لعبة حلوة» فأطلق مزيدًا من البخور في مقاله «القول
الراجح» بآخر صفحة من صفحات «اللواء الإسلامي», جعل فيه «مبارك هو البطل» أما رؤساء
الأحزاب فهم صغار أقزام, واعتبر فوز مبارك كانتصار النبي في بدر, أو في غزوة
الأحزاب, أو فتح مكة, واستخدم المعطيات الدينية اللغوية التي تدل علي ذلك.. ومن
كلماته «.. وفي يوم اللقاء الكبير تراءت الفئتان, و«التقي الجمعان», ونزل المرشحون
حومة المنافسة, ثم ما لبث الحق أن أعلن عن نفسه, وللنصر أن رفع راياته, وللحقيقة أن
شمخت برأسها, لتعلن علي الدنيا كلها أن الله قد أعز جنده, ونصر عبده»... ولهذا يحق
لهم أن يفرحوا بهذا الفضل, كما أرشدهم إلي ذلك ربهم في محكم كتابه الكريم حين قال:
{ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } [يونس:58].
إن توجه هذا الرجل -وله سوابق مماثلة لما ذكرنا- يذكرني بقول من قال: إن
السِّفلة هم من يأكلون بالطبل والمزمار (أي: المهرجون الدجالون اللاهون عن الحق)
أما سِفْلة السفلة فهؤلاء الذين يأكلون بدينهم .
* * *
مبارك: المدّ.. وحقائق التاريخ
وأختم بالرسالة الثالثة التي تلقيتها بالبريد الضوئي من حسين عاصم قنديل -شبرا
الخيمة بالقاهرة- وأنا أغض الطرف عن وصفه للإخوان المسلمين بالظلامية والرجعية,
وطمعهم في الوصول إلي كرسي الحكم بأي حساب.. إلي آخر المنظومة التي يرددها العوام
وصغار الكتبة, وبنو هباش, وبنو هبّار. ولكني أقف عند سؤال احتجاجي طرحه ونصه:
«لماذا تعترضون علي أن يتولي الرئيس مبارك لست سنوات خامسة.. ليحكم مصر ثلاثين
عامًا كلها تنمية وتقدم ورخاء, مع أنه ليس الوحيد في تاريخ مصر الذي حكم هذه المدة.
فقد حكم الملك فاروق مدة مثلها وحكم أبوه فؤاد مدة قرايبة الثلاثين عامًا..?!».
وبهذا السؤال الاعتراضي دلل كاتب الرسالة -(وقد ذكر أنه مهندس)- علي أنه مصاب
بالأنيميا الثقافية وأجدني -قاصدًا وجه الحق والعلم, ومع افتراضي امتداد الحكم
المباركي إلي ثلاثين سنة- مبرزًا الحقائق الرسمية التاريخية الآتية:
1- مدة حكم الخلفاء الراشدين الأربعة -أقول: الأربعة- (أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا) قرابة ثلاثين عامًا.
2- حَكم مصر قبل مبارك وبعد قيام الثورة ثلاثة, هم :
أ- محمد نجيب ( 1953- 1954.)
ب- جمال عبد الناصر ( 1954- 1970.)
جـ- محمد أنور السادات ( 1970- 1981.)
ومجموع سنوات حكمهم جميعًا 28 سنة, أي: أن مبارك يزيد عليهم جميعًا بعامين.
3- حكم الملك فؤاد الأول مصر 14سنة (1922- 1936م).
4- حكم الملك فاروق الأول مصر 16 سنة (1936- 1952م). أي: أن مدة حكم مبارك تماثل مدتي حكم آخر ملكين حكما مصر.
5- وابتداء من حكم أسرة محمد علي سنة 1805 نجد أن الوحيد الذي زاد علي مبارك في مدة حكمه هو محمد علي باشا. وغير ذلك نري الحقائق الآتية:
أ- تتساوي مدة حكم مبارك مع مدة حكم ثلاثة حكام هم: عباس حلمي باشا (1849- 1854)- محمد سعيد باشا (1854- 1863)- إسماعيل باشا (1963- 1879)م.
ب- وتزيد مدة الحكم المباركي 17 عامًا علي المدة التي حكم فيها توفيق بن إسماعيل
(1879- 1892) الذي قامت في عهده الثورة العرابية.
واكتفي بهذا القدر لتصويب المعلومات الغالطة التي سقط فيها صاحب الرسالة الذي
اتهمنا بالرجعية والظلامية