حسب ونسب

حسب ونسب

عبير قهوجي

[email protected]

من خلال عملي في مختبر طبي أختبر أحوالا وألوانا من شخصيات البشر , وترد علي جميع الجنسيات من أسود إلى أشقر فأسمر فأحمر ,وقد اصطلحنا روتينا في العمل يتعين علينا من خلاله سؤال المريض الزائر عن جنسيته أي انتمائه أو كما تترجمها مشاعري الادبيه تلك الأرض التي سترت رفات أجدادنا  و سقت ينابيعها عروقنا واكتنزت اكتافنا من خيراتها قلت تلك الخيرت أم كترت , فلا يتبرأ الإنسان من أبويه إن قسا الدهر عليهما وألبسهما الزمان رداء الفقر , ولكن القاعده لاتخلو من الاستثناءات والشواذ وعلى الرغم من غلبة الاستثناءات وكثرة الشواذ فلا بد من تقعيد القاعده وإلا حل فينا الضياع والتهافت والتغريب , فهذا مثلا مريض جاء لعمل بعض الفحوصات وكانت لغته اللغه  العربيه و بلهجة عراقية واضحة ولكن مهما كان وضوح لكنته فعلي سؤاله كمااعتدنا عن جنسيته ليفصح هو عنهاوبكل فخر .........فقال : الأستراليه  حينها خلته للحظات وكأنه قد ظنني اسأله عن نوع لحم الخروف المفضل لديه وحتى لو كان جوابه هذا لذاك السؤال المغلوط فلقد كان من حقي الدهشه فالخروف التركي أو العربي أشهى وأفضل, ولكنه والحمد لله لم يطل علي تلك الفقاعة التي استحوذت على فكري للحظات فلقد فجرتها نبرة صوته الأجشه قائلا نعم  أنا استرالي وكأنه قرأ إشارات الاستفهام التي ارتسمت  في عيني فأعاد الجواب مغردا وكأنه على وشك أن يعزف لي النشيد الوطني الاسترالي تأكيدا لانتمائه لتلك القاره فرمقته بابتسامة مصطنعة أي اني قد فهمت ..... ولكن من سوء حظ ذاك الاسترالي أن قد غيبت هذه الجنسية من القائمه فاعتذرت آسفة وكنت قد ظننته لن يجد بدا من العوده الى جنسيته الأم ففاجأني قائلا إذن أي شيء غير العربيه ......!

أقول عذرا أيها العرب ...... أصبحنا كالنعام يدس الرأس في التراب بعدا عن الأنظار , أو كمن ينزع جلده هربا من الجرب وأسباب المرض تنبع من أعماقه .,.أصبحت هويتنا العربيه عارا صنعناه بأيدينا فعلى من نعيب على الجاني أو المجني عليه , أقول للأخ الأسترالي : أنه لو وضع خلا في آنية من ذهب لما تغيرت صفة الخل, ولو بقي في الآنية دهرا لبقي اسمه خلا اللهم ان لم يسئ حاله أكثر ولو دفن التبر في التراب زمنا لبقي الذهب ذهبا , ومع أني لست من أنصار البكاء على أطلال أمجاد العرب البائده وانتصاراتنا الفائته والتغني بنعيم  الماضي لنسان ألم الحاضرإلا أني أؤمن أن من يتبرأ من ماضيه وأصله فسيلفظه حاضره وينفيه ولن يجد أصلا يؤويه

والقاعدة الذهبية برأي لخصها الشاعر حين قال

  لاتقل أصلي وفصلي أبدا                  إنما أصل الفتى ما قد حصل

 ولقد كان هذا كل ما حصل مع الأخ ذو النسب الاسترالي المتصل .....!