الغــاويــة
محمد عبد المجيد الصاوي
غزة ـ فلسطين
عندما نحملُ في قلوبنا وبين خافِقاتنا حبَّ الحياة في وداعتها ... ونعومتها ، ويدبُّ في أوصالنا نبضُ الحياة الفتيَّة ، ودفقانُ الأمل ... ويلوحُ في آفاقنا وميضُ الدفء ، ويشعُّ سنا الأمان ... ؛ فنسيرَ على هدى الفطرة ... بلابلَ تغرِّدُ أغنيةَ الصفاء وتعزف لحنَ الوفاء .
فتأبى تلك الفاتنةُ إلا غوايتَنا ، فتوقظَ فينا غرائزَ الشقوة ، وتُسْعِر شهواتِ الضياع ... وتلهبُ نزواتِ اللعنة.
وإذا بنا نخلدُ إلى موت عذبٍ وديعٍ ، ونساقُ إلى جحيم ... نحسبُ نارَه نوراً ... ولهيبَه ضياءً ... !!.
هكذا هي المأساةُ ... جميلةٌ يعلوها تاجُ القهر ... ويزينُها بهاءُ العناء .... !!.
وتلك هي قصةُ الحياة عندما تسفرُ عن وجهها الدميم .... فيتبدى قبحُها ؛ فيهيمُ الكثيرون عشقاً لتك الدناءة ... ويتلهفون شوقاً لرؤية مزيدٍ من تلك الدمامة ...
وتُزلزلُ الأكوانُ بغيةَ خطبِ ودِّها ... وتُشربُ أنخابُ الدماء إذا ما تمَّ الاقترانُ بها ... وتقامُ الليالي الملاح ... وتعمُّ الأعياد والأفراح إذا ما أنجبتْ مسخَها الشيطاني.
ولكنَّ تلك الغاويةَ تعلنُ يأسَها من فتية أبوْا إلا تحطيمَ أصنامها ... لم يسجدوا لآلهة تعبدُ من دون الله ... مضوْا على طريق ذات الشوكة ؛ وقد ابتسمتْ أرواحُهم لموت فيه الحياةُ الخالدة ... حياةٌ ليس فيها ذلةٌ أو مسكنةٌ إلا لبارئ تلك الأرواح .
فتيةٌ آمنوا بربهم ... وساروا على هداه ... جهروا بدعوةٍ تسمو ... تعيدُ للإنسان نفساً ضائعةً ... تنيرُ له ظلماتٍ حالكة ... تغدوا الحياةُ في رحابها حياةً ....
ولكنْ هؤلاء الذين انتشوْا بعبق تلك الفاتنة ... قد أدركوا أنَّ الكونَ ليس فيه متسعٌ للفريقين ... فتيقنوا ألا بقاءَ لهم إلا إذا كان مصيرُ الفريق الحق الموتَ والاندثار .
فأدركتْ يقيناً تلك النَّفسُ التي سارتْ على هدى الفطرة أنَّ الخلودَ للحق والخير فانضوتْ تحت ذاك اللواء ... معلنةً العداءَ لباطل متغطرس ... مسفرةً عن وجه النور ... فكان لها ذلك النعيمُ الذي لا يزولُ .