في صفحات عمان

حسن محمد نجيب صهيوني

[email protected]

وأنا اليوم أطل من شرفات عمان ... أستشرف امتشاقة الصباحات المزدحمة بشقشقة العصافير والجو المعطر بأنداء الورود.

يخامرني إحساس جميل بالنشوة حين أقلب ناظري هنا وهناك فأرى الكل من حولي يتنفس أنفاس الصعداء متوجهاً إلى العمل وضوء دليله في هذا كله (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).

إحساس أعيشه كالدفء كل يوم في صفحات عمان معلناً بداية يوم جديد بإشراقة وارفة الظلال تفيء بحسنها وجمالها عليك يا عمان....

لاشيء يفوق سعادة الإنسان حين يكون في وطنه متدرعاً ثوب الأمن ومدثراً لباس الاستقرار، هو ذاك الشعور الذي يمضي بنا إلى ركب السعادة الحقيقية التي يأملها كل شخص يفتقد هذا الشعور البلسمي الرائع.

وهناك فوق الجبال الراسخة العتيقة أسأل عن حضور الذكرى التي تزجى إلينا، فتجيبني جبال عمان ذاكرة سالفة وخالدة، ويجيبني مجدها القادم من أفواه التاريخ بأن لعمان أمس حافل بالصور المشرقة في قلب الحقب الماضية، وإن لعمان حاضراً مزدهراً بالسواعد الفتية التي ما فتئت جهداً وما كلت عطاء وما ضنّت جوداً، وكيف تضنّ وعمان التي أثرتها مجداً وجوداً وعطاء؟!، فعمان... رأيتها تتفجر حياة وجمالاً، وتنساب كينبوع فخر في هامات الأرض.

التقيت أحد السائحين مرة وكان تونسياً، فسألته – بعد الترحيب به- عن سبب زيارته لعمان وإطالة النظر في نواحيها، فأجابني- وكلي افتخار بإجابته-: إنها تناسبني عندما أبلغ من العمر عاماً إلى ثلاثين عاماً، أما بعد الثلاثين فلا أرى غيرها سياحة يناسبني. هذا حال من زار عمان لبضعة أيام، فكيف حال من ولد من رحمها وتنفس هواها وتدثر بسماها؟؟.

وأنا اليوم أجد نفسي أكبُر وأكبُر، ويكبر معي عشق عمان فلا يشيخ هذا العشق ولا يتحول.

وأنا اليوم وعمان تحتضنّي ذاكرتها مثل أم احتضنت وليدها في حجرها.

وأنا اليوم ... وكل يوم أعود إلى عمان آسراً مأسوراً....

أرتمي في يديها طفلاً صغيراً...

أرسم الشوق لها لوحة ... لو رأتها نجوم الليل لاستحالت بدوراً...

أجعل الشعر فيها خيمة ... والأماني طيلسان ... وذكرياتي سريراً...

جئتك يا عمان اليوم ... وعندي أمل أن أذوق منك الحضورا..

أن أرَ جوك الجميل مطيرا...

أن أرَ فجرك الضحوك منيرا..

فقد علمني حبك ألف شيء وشيء.. غير أني ما شبعت منه بعد..   

سأهاجر إليك يا عمان... إلى الماضي ... إلى الحاضر.. إلى المستقبل ...

فهل تقبلينني عشيقا؟....

أم ترفضيني!....