يقولون : هذا ليس من ثقافتنا ..!

يقولون : هذا ليس من ثقافتنا ..!

محمد السيد

[email protected]

قال تعالى : (( لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة وأولئك هم المعتدون )) التوبة _ 10 _

يروضوننا لقبول تلك الأوثان ، فيهيئون أقفاصها المثقلة بسلاسل المصطلحات المتخفية داخل طيات الأنصال المسمومة ، والمعبأة في علب الأفهام الغامضة المريضة ، محاولة طمأنة الدراويش والخبثاء على السواء .

يرموننا بحشد من الصياغات الاصطلاحية معسولة الحواشي ، لكنها خبيثة الأبعاد ، يريدون لها أن تنفذ إلى أعماق الناس ، بحيث لا يسأل المتلقي بعد ذلك عن تسويغاً لممارساتهم ، فهي برأيهم مبذولة أبداً من أجل مصلحة المطحون المغزو المعذب : " يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم " .. وما تخفي صدورهم أعظم " .

إنهم إدارة البوش ، وإنها لمصطلحات يطلقونها لنزع فتيل الشعوب المستهاضة ، إلا أنها لا تعني بأي حال من الأحوال عندهم مباشرتها اللغوية ، إذ أنها على حدّ ما قاله ( نعوم تشومسكي ) : ( كلام منمق غير لائق ، وغير مفهوم لأنه لا ينطبق على الواقع والتاريخ والتطبيق العملي ) ، ويمضي السذج أو الانتهازيون في مسيرة جنائز مصطلحاتهم وتزويقاتهم القولية ، يحدوهم في ذلك الرضى عن المحطة الموعودة ، مع اختلاف التقدير لماهية هذه المحطة بين السذج والانتهازيين . " لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون " وهذه هي القضية .. فتنة إنسانية يديرها الأمريكان بأغطية منمقة ومصطلحات مزوقة .

 فهل تريد أن ترى الأشياء بعيداً عن مصطلحاتهم ..؟ وتكون لك عين من أمام وعين من خلف ، ويكون لك فهم من قرآن ، وكلام على وزن الكلام من سيد الأنام ، وذلك كي تفتح الأقفال ، وتلتقط همس الشياطين . " يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً "، لتضرب بهمسهم وجوهاً شاهت ، وعقولاً تعفنت ، وسلوكاً تمادى في الغي حتى بلغ حد الجريمة الكبرى ، حيث يُقتل الإنسان ، وتُذبح الأوطان ، وتنتهك حرمات الشعوب ، وتُداس المقدسات ، تحت دعاوى الديمقراطية ، وحماية حق الإنسان .. إنهم : " لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة .. "

وهل تريد أن تعرف مزيداً عن هذا الذي عنه نتكلم ..؟ إذن فاستمع إلى بوش الابن ، يضحك في الملأ ، وهو يقول : ( إن جنوده يقومون بعمل رائع في العراق ) ، وتُردد هذه الجملة النتنة من بعده حاشيته ، من باول وحتى تصل إلى رامسفيلد مروراً بمستشارة أمنه ( كونداليزا ) وبقية الطاقم المأفون الذي يصف _ بصفاقة ولا  

صفاقة عتاة المجرمين _ قيام شارون والصهاينة بجرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين يومياً وتدمير حياتهم الاقتصادية بأنه دفاع عن النفس ؛ لكن حبل الكذب قصير ، فها هي ثقافتهم تفضحهم ، فينبو السلوك عن الكلام ، وتتجول ممارساتهم في سجون العراق وفي ساحات العالم ، لتظهر ثقافة المصطلحات على حقيقتها ، ولتخرج النوايا من مخابئها ، ولتفوح روائح الأقبية بنتن القهر وفقر الأخلاق المزمن ، حيث يئن المأسور المذبوح المستباح على أنغام حضارة قامت بأساساتها منذ وجدت فوق جماجم الإنسان وما تزال ، ولا أريد أن أعدد مواقع الأرض في أركانها الأربع ، ذُبحت فيها الإنسانية من الوريد ، إلى الوريد على يد الشركات عابرة القارات وسماسرتها من إدارات أمريكية خاصة وغربية عامة ، وتلك هي سمتهم الأولى والأهم ، وتلك هي ثقافتهم الراسخة في أعماقهم ، وليس أمر ما شاهده العالم من صور الانتهاك لحرمة الإنسان في سجن ( أبو غريب ) وغيره من سجون ( المتحضرين ) ! في العراق سلوكاً عابراً ، بل هو ثقافة تجري في عروقهم ، برزت في جميع سلوكياتهم ، ومع كل الشعوب المنكوبة باحتلالهم وجرائمهم وإن أردت المثال .. فانظر إلى العسكري الإنكليزي عندما كان يجعل من ظهر الهندي مطية يطأ عليه ليصعد إلى صهوة جواده ، وانظر إليه يذبح الفلسطيني ويغتصب أرضه ويشرده من أجل إحلال معتدٍ غاصب دخيل بوعد غادر حاقد ، وانظر إلى الأمريكي يذبح ويذبح من الهنود الحمر بالملايين من أجل أن تخلو له الأرض ، ويغتصب الثروة .. وانظر إلى فعاله في أمريكا الوسطى والجنوبية . وشاهده كيف يغتصب بنما ، ويحرض الناس على بعضهم في نيكاراغوا ، ويقيم ديكتاتورية العسكر في السلفادور فوق جماجم البشر ، كما فعل الشيء نفسه في جواتيمالا ، وهو يجرب اليوم مع ( شانشيز ) . ولا تنس فعاله في فيتنام واليابان وأوروبا وأفغانستان ، واليوم .. اليوم في العراق .. وكل ذلك من أجل حماية استثمارات الشركات العابرة .. واستثمارات شركات صناعة السلاح ، ومن أجل حماية ورعاية وفرض هيمنة المغتصبين الصهاينة في فلسطين .. ومن أجل محو ثقافة المسلمين التي أثبتت الأحداث أنها الوحيدة اليوم التي ما زالت قادرة على إيقاف أطماعهم . وإذن فإن ما حدث في العراق يشكل سلوكاً ثابتاً وثقافة راسخة تؤزها أبداً حضارة أعمتها المادة . وساقتها وحكمتها انحرافات الفطرة المبتعدة عن الله ، وعن قواعد السلوك التي أقرها من أجل سعادة الإنسان ، وليس هي كما يقولون دخيلة على تصرفاتهم و إلا فكيف يقول بوش : ( إن جنوده يقومون بعمل رائع في العراق ) ، وصوت الحق يقول إن أفعالهم باحتلال بلد آمن ونهب ثروته وقتل أهله في الشوارع وهدم بيوتهم وتقويض دولتهم بمؤسساتها وثقافتها واقتصادها وتاريخها ليس إلا عملاً مجرماً وجباناً لا يسوغه أي مصطلح من مصطلحاتهم ، ولا تشكل الصور الفظيعة التي عرضت وبينت حقائق تلك الثقافة الأمريكية النتنة إلا جزءاً واحداً من ثقافة أجهزت على وطن كامل بكل ما فيه من حضارة عريقة راسخة ويحضرني اللحظة قول الشاعر يقول :

شفتاه الظامئتان لدماء الفقراء ، لم ترتعشا يوماً ، لم تغتسلا بمياه الشفق الأحمر .

وصدق الله العظيم إذ يقول جل من قائل : " كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون " فهي بالنتيجة ثقافة الظلم و الطغيان و الانحراف يبعثها الخروج عن الفطرة السديدة وتعاليمها الربانية الفذة ، وهذا هو الرأي .. و الله أعلم .