سبيل .. وسبل

سبيل .. وسبل

نبيلة الخطيب

[وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ..] (الأنعام : 153) .

لم تعد حاجة البشرية اليوم ، إلى ما يهديها سبل السلام ويخرجها من ظلمات التخبط والضياع إلى نور الاستقامة والسلام ، لم تعد هذه الحاجة بخافية على ذي بصر وبصيرة .. وأن العقلاء من كل جنس ولون ينظرون عن قرب إلى تهاوي الإنسانية في غيابات لا يعرف أحد منتهاها .. والذين لا يدركون ذلك إنما يحجبهم العلو والاستكبار [وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين] (النمل : 14) .

وأن العالم اليوم ليشخص الصورة القرآنية [هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنت في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم] ، ولكن الظلم والاستعلاء يمنع أيديهم من أن تمد إلى المنقذ بالدعاء والضراعة ، وهو أمر يخشى ، من نتائجه الوخيمة إلى البشرية كلها ، إن لم تتداركهم الرحمة الإلهية .

ويا حسرة على العباد فعلى الرغم من الفتن المتتابعة التي تعصف بهم في كل يوم مرة أو مرتين [ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون] (التوبة : 126) .

إن الله جل جلاله أرحم بالناس من أنفسهم بأنفسهم ، فهو سبحانه خلقهم ويعلم حاجاتهم وما يصلح شأنهم [ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير] (الملك : 14) .

أرسل الرسل وأنزل اكتب فما ترك من خير إلا هدى البشر إليه وأمرهم به وما ترك من شر إلا نبه إليه ونهى عنه [فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى . ومن أعرض عن ذكري فله معيشة ضنكا] (طه : 124) .

ولا ريب أن من تمام الهداية والسعادة لبني البشر أن يعيشوا في بيوت وأسر سعيدة تغمرها المودة والرحمة ، وحتى يتحقق ذلك على أرض الواقع ينبغي الاغتراف من المصدر الذي لا يضل ولا ينسى ، إنه الهدي الإلهي المتمثل بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، فثم الحكمة وفصل الخطاب [وما فرطنا في الكتاب من شيء] (الأنعام : 38) .

[وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون] (النحل : 44) . وكما جاء في الحديث " لكل داء دواء " فلو وضعنا أيدينا وتلمسنا الوصفة الأولى لوجدناها أمامنا مسطورة بحروف من نور تقول : [ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم] ، [وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ، الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون] (التغابن : 11 ـ 13) .

إنها وصفة الإيمان ، رأس الأمر، الذي منه الانطلاق وبه الاستقامة إنه مفتاح كل خير ومغلاق كل شر وسوء ، إنه نور العقل وطهر القلب وحياة الضمير، إنه الانعتاق من ثقلة الطين إلى التسامي في عالم المثل والنزاهة ، والحب والعدل والإيثار... إنه حفظ اللسان والعين والأذن واليد والقدم .

إذا تحقق الإيمان تكون العقدة الأولى قد انحلت ، والعقبة الكأداء قد اقتحمت .. لتتمهد السبل وتلتئم في سبيل واحدة وطريق قويم أوحد .. وعندها فقط يكون الأمن والهداية [الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون] (الأنعام : 82) ، الأمن من هوام الأرض ومنعجرات السبل وضلالها وتشتتها .

وليس هذا كلاماً نظرياً ولغة شاعرية رومانسية ، بل هي لغة الحقيقة الواقعة التي عدلت موازين البشرية ، حين نزل الوحي على قلب المصطفى ليترجم إلى حياة على الرض ، فرفعت وخفضت ، وفق ميزان السماء [والسماء رفعها ووضع الميزان ، ألا تطغوا في الميزان ، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان] (الرحمن 7 ـ 9) .

فمع أول خطوة نحو النور يخلع المؤمن نعليه خارجاً ليدخل نقياً من الشوائب والعلائق الجاهلية ، لينقلب الوحش الكاسر الغليظ وقد خلع نعليه إلى " إنسان " هو المثل في الرحمة والرأفة ورقة القلب والعدل والقوة معاً . وبالتالي فإن كل مخلفات ورواسب الجهل والجاهلية وعماياتها تنخلع خارجاً لتبدأ حياة بعقل وقلب جديدين .. ليقف الرجل الإنسان والمرأة الإنسان صفاً واحد [إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص] (الصف : 4) ، وفي الحديث الشريف " المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم على يد من سواهم " .

ويقف الرسول الكريم ليعلنها " أم عمارة خير من فلان وفلان وفلان " وعدد رجالاً فروا من المعركة . ويقول عليه السلام : " خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء " وهي السيدة عائشة رضي الله عنها .