قصة إنسان
يمان حكيم *
أنظر حولي, فأرى مخلوقات من صنع الإله لا تعد, و لا تحصى, و لكن المخلوق الذي طالما عذّبني , و حيّرني, و جعلني أدور حول نفسي, دون أن أصل على هدفي, مخلوق خلقه الله ليكون عبرةً لنفسه لا لغيره, خلقه كي يعجز نفسه بنفسه, دون أن يجد أي تفسير لذلك, مخلوقاً عجيباً غريباً صنعه الله جلّ قدره, خليطاً فريداً من نوعه, مخلوقاً حمل داخله أمانة عجزت الجبال و الدنيا على حملها, و أتى هو بكل بساطةٍ فحملها دون أن يعبأ بأهوالها, إنّه كان جهولاً فسوقاً ذلك المخلوق الذي حوى داخله تناقضاً واسع النطاق, تناقضاً ليس مرئياً, و لكن الله سبحانه و تعالى ضرب له مثلاً بالليل و النهار, بالظلمة و الضوء, تناقضاً يعيشه في حياته و أفكاره و آرائه. و من ثم معتقداته, مخلوق حباه الله الكون و الدنيا خادمين له, حريصين على راحته, ثم يعيش حياته طولاً و عرضاً لاهياً عابثاً, كالأطفال عندما يبدؤون بالتعرف على ما حولهم يعيشون طفولتهم غير عابئين بما يسببونه من أذى, حتى و لو كان الخطر يحيط بهم شخصياً, يضحك و يلعب دون أن يعرف ماذا ينتظره, و يا لهول ما سيجده...
ذلك هو المخلوق الذي سجدت له ملائكة السماء طائعين لأمر الرحمن, العالِم بأحوال خلقه سبحانه.
ذلك المخلوق الذي نفخ الله من روحه, ليكرمه عن سائر المخلوقات... كل هذا و لم أنته , بل و لن انتهي. حتى يأخذ الله أمانته من إحصاء نعم الله على ذلك المخلوق و لكن أين؟؟! أين هو الشكر على هذه النعم ؟!
أنظر حولي و لا أستثني نفسي, فما أرى سوى الجحود و النسيان, الغفلة و النكران...و نأمل برضا الرحمن, لكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
فأين نحن من هذا كلّه؟!
من كان لديه الجواب فلا يبخل به عليّ
لماذا أرى الناس من حولي أرواحاً ميّتةً تغطيهم هياكل جامدة تقودهم غريزة عمياء نحو حتفهم بأيديهم.
أين هو الإيمان؟ و ما هو الإيمان أصلاً في عصرنا هذا ؟ إنه على الغلوف و ليس في القلوب, أم على قلوبٍ أقفالها... بل إيمان ذهبت هيبته و رهبته, حتى باتت كعادة ورثت عن الأجداد أين هو الإحسان ؟
و من ذا الذي ينطق أصلاً بهذه الكلمة, هذا إلاّ إن كان شيخاً عابداً, أو عالماً بأصول الفقه و الدين, أو طالباً مخلصاً للعلم, و ما عدا ذلك يجهل معنى الكلمة....
أين هي التقوى؟
ليتني أعيشها فلا أخرج منها ما حييت, لكن ليت لا تنفع و هي كلمة ضعفاء لا حول لهم و لا قوة...
أين هو حب الإنسان لأخيه الإنسان للأسف هذا هو إسلامنا الضائع بيننا... ثم يقولون إسلام... لقد أضحى الإنسان مثله كأي دابة تمشي على أرض, لا يهمها سوى إرضاء غريزتها, و الله أعلم أن حالها أفضل من بعض الناس...
ماذا أقول؟ .....و المرض العضال فشا في الجسد حتى كاد يقتله, و ليس للأهل سوى الدعاء و الابتهال إلى الله راجين الشفاء, لسقيمٍ أهلكه المرض.
ماذا أقول؟ و دمع العين قد نضب ماؤه, و أصبح يقطر دماً
ماذا أقول؟ و الأخ يأكل لحم أخيه حيّاً.
قيل لي كفاك تشاؤماً.. يا ليته كان مجرد تشاؤم لذبحته في فؤادي قبل أن يخرج إلى تفكيري, و لكني أراه بأم عيني فأنكره في عقلي, و أرفضه في عالمي و هو أضعف الإيمان. حتى أضحى شيئاً خارجاً عن حدود طاقاتي. شيء طفح الكيل منه حتى أغرق ما حوله.
و الأمر الأشد قسوة و علقماً: أن معظمنا يعرف هذا و يقف صامتاً دون أن ينطق حتى بحرف, و إن حرك ساكناً فللحظات ثم يعود ساكنا...
لأنه واحدُ ضدّ مئات الألوف, و مع كل ذلك يبقى الأمل بالله و برحمته, فلولا رحمته وسعت كل شيء, لصبّ علينا العذاب صباً. و الله تعالى أعز الإسلام و لا بدّ أن يبقيه عزيزاً مكرماً, خاصةً أن الله سبحانه و تعالى قال في كتابه العزيز :
بسم الله الرحمن الرحيم “ إنّا نحن نزلنا الذكر و إنّا له لحافظون” صدق الله العظيم.
اللهم اجعلنا من المؤمنين المحافظين على ديننا. و انصرنا على أنفسنا في جهادنا الأكبر, فإن لم تعنا هلكنا يا أرحم الراحمين.
* أديبة من سورية