العين تعشق ما في الدنيا من سحر

العين تعشق ما في الدنيا من سحر

يمان حكيم

العين تعشق ما في الدنيا من سحر

و القلب بنبض حباً لخالقها...

الأذن تسمع لحن الدنيا شاديةً

و العقل يعزف لحناً لمعناها...

ما أعظم الكون و الله خالقه

ألا يعظكم النظر أيّها البشر...

سرقتك الدنيا بحال زينتها

فنسيت بها الخالق القدِر... 

كلمات وصفتها بحال ذهولٍ بقدرة الخالق و عظمته, و ضعف المخلوق و حقارته. فمهما رأت العين من جمال, و مهما وصل العقل من خيال, و مهما أبدعت اليد من إبداع يبقى إعجاز الخالق في عبيده يفوق كل القدرات البشرية...

صدّقيني ما كتبته لك و ما سأكتبه لا يعادل أجزاء ما رأيته و ما أحسسته و الشيء الوحيد الذي يعزيني أني لا أرى إلاّ بعينيك ...

الحقيقة لا أعرف ماذا أصف لك أأصف الشروق أم الغروب, أم الجبال و الأشجار.في كل ساعة أرى منظراً يشعرني بشدّة صغري, و شدّة سفاهتي.

كل شيء أراه من حولي يزرع أشياء فيني أطير بها فلا أشعر بنفسي أنّي على الأرض إطلاقاً ثقي أنّي لن أغفل عن وصفها لك مهما صغرت لأنّي أعرف أنّي لم آتي هنا وحدي و أعرف أيضاً أم كل ما أحسسته ستشعرينه أنت..

وصلت بالأمس في الساعة التاسعة و النصف تقريباً إلى منزل في أول كافرون تنزلين إليه بعدة درجات تؤدي إلى شرفة واسعة تصل بك إلى داخل المنزل المؤلف من غرفتي نوم و غرفة جلوس واسعة و مطبخ و حمام.

على الشرفة كانت هناك شجرة كبيرة دخلت إلى الشرفة و غطت قسماً كبيراً منها, و كان المنزل يطل مباشرةً على الوادي الذي كمنت من خلفه الجبال المغطاة بالشجر الأخضر, و كان الليل قد أسدل ظلامه على المنطقة بكاملها فبدت الجبال سوداء, و السماء قد زينتها النجوم المشعّة, مع ظلمة الليل الدّامس كانت هناك نسمة خفيفة من الهواء اللاسع البرودة الذي يطفي على الجمال روعة. 

جلت أتكلم مع حبيبتي, فقالت لي الشجرة تعالي اجلسي عندي, و قالت لي الشرفة تدعوني: تعالي أما اشتقت لمجلسي, تعالي و لا تنسي حبيبتك, فقلت لها: و الدمع على الخد: كيف و قد أصبحت في جسدي فما فارقت قط عيني ولا قلبي و يدي...

فلما اقتربت منها, بدأ قلبي يخفق في صدري, و رأيت الشجرة و قد اقتربت من الشرفة لترحب بي, و قالت أهلاً تعالي أضمّك لصدري, تعالي و لا تترددي فهنا لا يوجد معنىً للغدر و أضجعتني على أريكة تحتها و أخذت تلاعب شعري بغصنها, و دعت الليل فأقبل زاحفاً, و قد كسته النجوم و القمر, نظرت إلى القمر فرأيته شاحباً مثقلاً بأنواع الغم و الحزن, فقلت له مالك يا زينة الدنيا, قال: إيه ألا تدري و أنت منزل حزني, قلت مالك أخبرني, و كيف وصلت ّإلى هذا الحد... قال: منذ أن دخل داء الحزن في صدري, فقلت و ما سببه يا قمري, قال: و دمعته على الخد... جرحتني يا عمري...جرحتني منذ أن استسلمتِ للمرض ...قلت له: و هل أنا مريضة , قال: بداء لا يعلمه سوى ربي, فقلت و ما الحل يا قمري: فأجابني الحل بإذن الله عند الليل فهلعت إليه باكيةً و دعائي على شفتي لربي أن أنقذني من محنتي هذه فأنت العليم بحالي...و قلت لليل عندما وافيته دعوك طبيبي فهل لي من دواء يشفيني من هذا الداء فنظر و ابتسم قائلاً لا تخافي فالله معك, و الحل باعتقادي يا أختي استئصال الداء من الأصل و عندما توجّس خيفةً داخلي قال لي الدّاء أفضل أم شفاء القمر و أين الإيمان بالله و أين الأخوّة الصالحة, فقلت له ساجنةً دمعي في عيني, فأمّا شفاء القمر فهو أحب إلى نفسي, و أمّا ربي فعلمه بالحال يكفيه عن سؤالي, و أمّا أختي فلا تفارقني طيلة عمري فتوكل على الله يا ليلي و أسرع فإنّي في عجلةٍ من أمري...

فدعا الليل النجوم طالباً منهم العون في العمل...فأسرعت النجوم إليّ و قالت تعالي و تمددي هنا على الفراش و استلقي, و جاءني الليل في حلّته السوداء واضعاً كمامةً على أنفي, و همس في أذني قائلاً الآن سآخذك إلى عالمي فتجهزي, و أحسست بالهدوء في جسدي و أغمضت عيني حتى لم أشعر بمن حولي. و إذ بي بعالم كبيرٍ واسعٍ مليءٍ بالورود. و كان في زاوية المجلس رجلٌ ورع تقيٌ فقلت من هذا يا ليلي قال هذا إيمانك فأقبلي و سلّمي و اجلسي و تقدمت و إذ به يجلس و رائحة المسك تفوح من صدره فقلت السلام لله و ليس للعبد فقال و عليك السلام و رحمة الله و بركاته, فقلت مالك يا أخي لا تحادثني, قال هجرتني و تركتني للدنيا تنهش في لحمي قلت له و كيف هذا يا أخي, قال منذ أن فتحت للدنيا باباً إلى قلبك و منذ أن ابتعدت عن عبادة ربك, قلت فإني أعبد ربي, قال فأين الإخلاص يا أختي و كيف يجمع الاثنان في القلب, قلت صدقت و ما الحل يا أخي, قال: تعالي أدخليني في قلبك و أخرجي الدنيا بحزنها و فرحها من صدرك تجديني إن شاء الله لا أفارقك فأقبلت إليه مهرولةً و دمع الفرح في عيني و عاهدت ربي أن أجاهد نفسي ما حييت لأجله فمن أجله تهون الدنيا و ما بها و تهون النفس و الولد... فاقترب الليل قائلاً هيا نعود يا أخت, قلت صدقت فقد عاد الإيمان لي, و إذ بالليل يهمس لي هيّا قد انتهينا يا أخت هيّا و افتحي عينيك هيّا فقد عاد للقلب نبضه و عندما فتحت عيني قلت له أخبرني كيف هو حال قمري فرأيته و قد أقبل و من حوله نجوم السماء تزفّه على بعد و البسمة مرسومةٌ على وجهه و ضوءه يشع في الليل و كان الإيمان قد انطبع على وجهه قال لي: أهلاً حبيبتي, اشتقت إليك فلا تبعدي قلت له أهلاً حبيبي أشكر الله على سلامة إيماني و حسن توكلي, فهو الرحمن الرحيم القادر على شفاء القلب من العلل.