البجعة والثعلب المكار
البجعة والثعلب المكار
فاطمة محمد أديب الصالح
بدا الطائر الصغير المجهول قبيحاً بين سرب البط، لكنه لما كبر اكتشف أنه بجعة جميلة، فتحول حزنه إلى فرح غامر وعاد إلى عشيرته.. من البجعات الرائعات.
(/ البجعة)SWAN
برنامج تلفزيوني وصل إلى المحطات العربية بأسرع مما يتوقع مشاهد، وكان بدأ في أمريكا في محاولة مألوفة محمومة لتحقيق الربح الذي يتمثل لأي محطة، بعدد المشاهدين الذين يمكن أن يكونوا زبائن لبعض المنتجات والخدمات المعلن عنها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
في( سوان) تمت دغدغة أحلام النساء اللواتي يحلمن بجمال تضع مقاييسه مؤسسات الأزياء والزينة، ومسابقات الجمال المتنوعة.
عدد من النساء الحزينات وجدن فجأة أن هناك من لا يمانع في إخضاعهن لسلسلة من عمليات التجميل المجانية، مع رعاية نفسية(زعموا) بيد فريق ماهر(قيل) مكوَّن من عدد من المتخصصين في تجميل جسد المرأة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، يتعاونون جميعاً على(تحويل) المتقدمة من حال إلى حال، من القبح إلى الجمال، من الترهل إلى المتانة والرشاقة، .. إلى إمكانية الترشيح لمسابقة في الجمال بين الخاضعات للتجربة.
يستغرق (التحول) المأمول ثلاثة اشهر، تتم في بدايتها دراسة شاملة لجسد المتقدمة ووجهها، فتتحول إلى مجموعة من الأجزاء المستباحة للنظر واللمس والكسر والقطع والنفخ والشد والصقل.. إلى آخر ما تحتاجه السيدة من عمليات في مناطق وأعضاء(لا تعجب المختص).
اللافت أن التجربة رغم ما يحيط بها من الأماني والوعود، لم يستطع مخرجوها للتلفاز إخفاء الجو الحزين الذي يرافقها، لم يستطيعوا أن ينكروا أن هذا( التحول) سترافقه حالة صعبة من الشعور بالغربة عن النفس والفقد والقلق.. عزَوا بعض ذلك إلى المسؤوليات التي تركتها المرأة وراءها.. لكن بدا واضحا أن الآثار أعمق مما يبدو على الوجوه التي لم تتعرفها حاملاتها.
* * *
في الجو المحموم الذي تعيشه حضارة الغرب تقديساً للجسد، وإعلاء من قيمة الجمال الخارجي إلى درجة تقارب العبادة والوله.. لا نستغرب أن تقبل نساء بشروط البرنامج.. ومنها هذه الاستباحة الكاملة لأجسادهن ونفوسهن، لتكون مادة تسلية وإثارة، يتابعها الملايين في بيوتهم.
إن المتاجرة بالأجساد أضحت من سمات العصر، مهما غلفت بأوراق السوليفان البراقة: جمال وأناقة وشهرة ودولارات ووعود تتدفق، وتحقيق أحلام دنيوية لاتتاح لغير الجميلة.
كم من رسالة سيئة يحملها هذا البرنامج وأمثاله: لا حياة لك أيتها المرأة المسكينة ولا نجاح ولا تقبُّل، دون جمال (حددنا نحن مقاييسه) وإن عليك أن تبذلي(كل شيء) لتصبحي من الجميلات.
ومع أنه بدا واضحا أن المشاركات إنما وصلن إلى حالة نفسية مزرية في حياتهن ليس بسبب مظهرهن وحده(وفيه ما يحتاج إلى العناية العادية المألوفة فحسب) وإنما بسبب مشكلات أخرى، منها ثقل المسؤوليات التي كثيرا ما تواجهها الغربية وحدها، ومنها تقويم المجتمع للمرأة على أساس من مظهرها وحده.
ترى ما الذي حل بهؤلاء النسوة بعد انتهاء الأمر برمّته..لعل ما خفي من ألم وحزن ومهانة وعذاب نفس، كان أضعاف ما كثفه البرنامج في دقائق محسوبة..
ترى هل يستحق هذا الجمال المصنوع، الذي جرد الوجوه من معناها وتلقائيته،ا كل هذا العناء..وهل تراه سيدوم، وكم من الزمن سيدوم؟ ذلك أنه تم بسرعة قياسية، لابد أن تكون لها عواقبها.
أخيرا:
أرجو الله أن لنا، معاشر العربيات والمسلمات، من عقولنا وديننا وقيم مجتمعنا الأصيلة.. ما يأبى علينا تغيير خلق الله دون داع إلا الجري وراء قيم مادية بحتة..ويأبى علينا أن نصبح سلعا، تتناسى إنسانيتها وخصوصيتها لترويج سلع يبرع أصحابها في ابتكار وسائل تسوِّغها غاياتهم المعروفة.