الحداثيون

م. صالح عبد الله الجيتاوي

الحداثيون

م. صالح عبد الله الجيتاوي

[email protected]

الحداثة في اللغة كلمة محايدة ذات دلالة زمنية تشير إلى المعاصرة، ولكن مناهج وبرامج الحرب الثقافية الدائرة على ديار الإسلام، أعطتها دلالة أخرى لأن الرمز والمصطلح من أهم أدوات الحرب الجديدة! حيث تتحول الكلمة إلى قذيفة جاهزة تكفي بمجرد انطلاقها إلى سقوط الهدف أو شلله على الأقل، ومن أخطر المصطلحات التي طفحت بها الساحة الثقافية في القرن المنصرم مصطلح (الحداثة) الذي تجهزت به حملة التغريب والتذويب.

ولأن الأمم إنما ترتقي بروادها المستبصرين وقادتها الجادين الواعين وعلمائها وحكمائها، إذا صدقوا وأفلحوا أفلحت الأمة ونهضت وحققت أهدافها، فلابد إذن –في تخطيط العدو- أن يكون هؤلاء هم الهدف المحدد لتخطيطهم ومكرهم وضرباتهم، وذلك بتحطيم الأسس الفكرية والعقائدية والثقافية التي ينطلق منها هؤلاء، والتشكيك بصلاحيتها للعصر، وخلخلة الانتماء والعبث بالهوية إلى جانب تقديم البديل في ثياب زاهية معززاً بقوة إعلامية خارقة بآلياتها وشخوصها مع تكثيف الحملة وضبط إيقاعاتها والسهر عليها وتحصينها بدائرة محكمة من الجهد والإمكانيات حتى تصبح غير قابلة للاختراق لضمان تحقيق الهدف، مع أن البديل (النص) ليس إلا العدم، وكل ذلك لا يتأتى إلا بعد خلخلة المسلمات المنطقية المبدئية التي تقوم عليها الحياة البشرية، والتي لا ترتبط بدين أو عرق أو زمن أو وطن معين، وإنما ترتبط بالفطرة الإنسانية والمنطق المجرد ونواميس الكون والحياة الأساسية، كحاجة الرضيع إلى ثدي أمه، وبحث النملة عن رزقها، وطلوع الشمس من مشرقها، ودخول الأكسجين إلى الرئتين.

هذه المسلمات بالذات هي المطلوب تخريبها وتدميرها في الصدور والعقول، فإذا تم ذلك –لا سمح الله- تعطلت البوصلة وانشل الرادار، ومن ثم تاهت المسيرة كلها وتحققت أهداف العدو.

بقدر ما يتسلح به الرواد والقادة من قدرة عقلية وكفاءة ثقافية، وصلة بمصدر الكون والحياة والإنسان، تكون القدرة على الصمود والمواجهة ومن ثم المبادرة والانطلاق.

أما دعاة حداثة التغريب والتذويب وشللهم فهم إما قلة متورطة بسوء نية، داخلة في برامج معادية مسقطون منذ البادية، أو سذج لم يتسلحوا بمستلزمات المعركة الثقافية الطاحنة، أو فاشيون استهواهم بريق المواقع وكيمياء الأسماء، فدخلوا في التيار المغولي الجديد وإغراءاته، فصاروا ضحاياه ووقوده وهم يظنون أنهم خيول المرحلة.