أبو قردان والكمبيوتر والقذافي النووي
أبو قردان والكمبيوتر والقذافي النووي
بقلم: الدكتور جابر قميحة
نكتة سمعتها من بضعة أشهر، ونسيتها علي طرافتها، ولكنها عاودتني بإلحاح وشدة يوم 20
من ديسمبر 2003، وخلاصة النكتة: أن الولايات المتحدة بعد احتلال العراق - أرادت -
من باب الترهيب - أن تعلن للعالم أجمع - وخصوصًا الحكومات والشعوب العربية - أنها
بلغت قمة التفوق التقني باختراع «كمبيوتر» قادر علي الإجابة علي أي سؤال أيًا كانت
لغته، ومهما كانت صعوبته. وأعلنت السفارة الأمريكية في القاهرة عن ميعاد لعقد
مسابقة صورتها أن يهمس المتسابق بالسؤال لهذا الجهاز العجيب مباشرة دون أن يسمع
الحضور، فيظهر السؤال والإجابة تحته علي شاشة الكمبيوتر، وإذا عجز الجهاز عن
الإجابة، كسب المتسابق «مليون دولار»، وأمام دهشة الحضور في القاعة الكبري أجاب
الكمبيوتر علي أسئلة المتسابقين وكانوا من جنسيات مختلفة: من روس وفرنسيين وإنجليز،
فنهض واحد من أبناء البلد المصريين، وهمس للكمبيوتر بسؤاله فانفجر الجهاز وصار
شظايا.
وتزاحم الصحفيون ومندوبو وكالات الأنباء والقنوات التلفازية يسألون ابن البلد
المصري: ما هو السؤال الذي وجهته للجهاز فعجز عن إجابته فانفجر؟
أجاب ابن البلد: سألته: قلٍ لي يا كمبيو: أبو قرٍدان قبل أن ينجب ابنه «قردان» كان
اسمه إيه؟
تذكرت هذه النكتة، وقلت في نفسي: لو أن امريكا أعادوا هذه المسابقة لاستطاع أي
صعيدي أو ابن بلد أن يوجه لهذا الجهاز المعجزة سؤالاً يأتي بنتيجة تهز العالم كله،
ولا تخطر علي بال جن أو إنس، والسؤال هو «يا كمبيوتر: ما نوع شخصية الأخ العقيد؟
وبماذا تفسر تصرفاته؟».
وأنا أعتقد اعتقادًا جازمًا أن الجهاز لن ينفجر فحسب، ولكنه سيفجر معه السفارة كلها
بمن فيها، وما فيها. وساعتها سيوجه «بوش» الاتهام إلي فرع تنظيم القاعدة في (أبو
طشت) أو في (قلعة الكبش)، ويلحق هذا الحدث بأحداث 11 سبتمبر. وربما اعتبر بوش أو
بعض البوشيين أن هذا الحدث أشد وأخطر، وذلك لسببين:
الأول: أنه ألغي وفضح ادعاء الأمريكان بإعجاز التقنية الأمريكية، وتفوقها الذي لا
يباري.
أما الثاني: فهو سقوط المخابرات الأمريكية وهشاشتها مما مكن أعضاء من تنظيم القاعدة
- الصعايدة والبحاروة - من الاختراق، وإثباتهم أن «الجدعنة» و«الفهٍلوة» المصرية
أقوي من كل التقنيات الأمريكية.
من مفاجآت «أبو منٍيار»
وكان من أواخر مفاجآت «معمر أبو منيار» - وهو الاسم الأصلي الأصيل «للأخ العقيد» ولم يتخل عنه إلا عند التحاقة بالكلية الحربية واستبدل به «معمر القذافي».. كانت آخر المفاجآت ما أعلنته الجماهيرية الليبية العظمي يوم 20/12/2003 أنها قررت - بإرادتها الحرة - التخلص تمامًا من كل أسلحة الدمار الشامل المحظورة دوليًا، وكشفت عن أنها قررت - بعد مباحثات مع الولايات المتحدة وبريطانيا - التخلص من كل المواد والمعدات والبرامج الخاصة بإنتاج هذه الأسلحة، وقبول الخضوع لمراقبة دولية عاجلة للتحقق من هذه التعهدات..
وقد أشاد القذافي بهذا البيان، ووصفه بأنه «قرار حكيم، وخطوة شجاعة تستحق التأييد من الشعب الليبي»، ودعا الدول الأخري وخصوصًا سوريا، وإيران، وكوريا الشمالية، إلي الاقتداء بالجاهيرية في هذه الخطوة الشجاعة.
وفي 21/12/2003 أعلن مسئولون أمريكيون أن الاجتماعات السرية التي جرت ليلاً بين الرئيس الليبي معمر القذافي وضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي. آي. إيه)، ونظرائهم البريطانيين قبل عدة أشهر كانت السبب الرئيسي في القرار الليبي بالتخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل. وأكد هؤلاء المسئولون أن القذافي بدا متحمسًا للتخلي عن هذه الأسلحة، وطلب من بريطانيا التوسط لدي واشنطن لبدء هذه الاتصالات.
وفي 27/12/2003 أعلنت ليبيا أنها ستوقع البروتوكول الإضافي لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية الذي يسمح لمفتشي الأمم المتحدة بالقيام بعمليات تفتيش المنشآت النووية بعد إبلاغ الجهات المعنية بفترة قصيرة قبل البدء فيها، وأكد وزير الخارجية الليبي أن طرابلس ستتعامل وتتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشفافية تامة.
وهذه القرارات المتلاحقة، والتصريحات القذافية المتتالية رحبت بها - في صراحة معلنة
- الولايات المتحدة، وبريطانيا، وإسرائيل، كما وضعت سوريا، وإيران في حرج شديد،
وأخضعت سوريا بالذات لضغوط شديدة، وتهديدات أمريكية متلاحقة، زيادة علي جرح كبرياء
الدول الثلاث: سوريا، وإيران، وكوريا الشمالية بدعوتها إلي الاقتداء بليبيا في
خطوتها الشجاعة» لأن العالم كله يعلم أن «صدام» - بعد سقوطه - هو السبب في اتخاذ
الحكومة القذافية هذه الخطوة «الشجاعة جدًا». إنها الأنانية، وحب الذات والتشبث
بكرسي الحكم يا «أبا منيار»، وصدق المتنبي إذ قال:
وحبُّ الجبان النفسَ أورده التُّقَي
وحبّ الشجاع النفسَ أوردهُ الحربا
كما نشبت أزمة مكتومة بين القاهرة وطرابلس عبر عنها الدكتور أسامة الباز - مستشار
رئيس الجمهورية للشئون السياسية - بانتقاده لأية خطوات أحادية الجانب بنزع أسلحة
الدمار الشامل، داعيًا إلي تصور جماعي عربي لنزع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة،
بما في ذلك إسرائيل.. وكانت القضية الطارئة التي جمعت مبارك والأسد في شرم الشيخ
مناقشة التداعيات الخطيرة لخطوة القذافي، والتي وضعت سوريا تحت ضغوط شديدة وبخاصة
بعد دعوة القذافي المعلنة لسوريا بالتخلي عن أسلحة الدار الشامل، وفي السياق ذاته
دعا سيف الإسلام القذافي، في حوار أجرته معه صحيفة «الشرق الأوسط السعودية» إلي
تبني التعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة، وأعلن نجل القذافي أننا الآن في
حماية أمريكا (عن العربي 28/12/2003).
المبذر الأكبر...
ومازالت التنازلات القذافية تتوالي بصورة أذهلت الأمريكان أنفسهم، فالرجل يكشف
أوراقًا ومواقع خفية ما كانت في حسبان هؤلاء. وما خفي علي مواطنيه وأقرب الساسة
إليه، أصبح في مثل ظهور الشمس أمام الأمريكان وأعداء الأمة العربية .
ويبقي معمر أبو منيار الشهير بمعمر القذافي من أغرب وأشذ الحُكام العرب في تاريخهم الطويل لأنه بلغ القمة في كل «المعاني» والحالات و«المقامات».. فقد بلغ القمة في الاندفاع دون أن يدرس النتيجة أو النتائج المتوقعة، وبلغ القمة في التبذير وإهدار أموال شعبه، وبلغ القمة في «المظهر» والملبس، وبلغ القمة في الادعاء الفكري والأدبي، وادعاء القدرة علي «التخطيط الأيديولوجي المنقذ»، فهو صاحب النظرية الثالثة (!!)، و هو الأديب القصاص (!!) وهو مؤلف «الكتاب الأخضر»، وهو الذي قدم الحلول الناجعة لمشكلة الديمقراطية، ومشكلة الحكم في العالم، ومشكلة كشمير(!!!)، وهو ..... وهو... وكل وصف من الصفات السابقة جدير «بكتاب» كامل يتفوق علي المدعو «الكتاب الأخضر».
وتبذير القذافي، وإهداره أموال الشعب لا يحتاج إلي دليل قوة» فقد عوّض أهالي قتلي طائرة لوكيربي «بعدة مليارات من الدولارات، وكانت دية القتيل الواحد عشرة ملايين دولار، ومع ذلك يصرح بأن ليبيا قدمت ذلك بدافع إنساني، وهو لا يعني أن ليبيّا قام بنسف الطائرة..» منطق ساقط عجيب لا يصدقه أشد الناس «عبطًا وهبلاً»، ولو فرضنا أنك تفعل ذلك يا «أبا منيار» بدافع إنساني، ألم يكن الفلسطينيون الذين نُسفت بيوتهم، ويعيشون حاليًا في فقر وجوع... ألم يكونوا أحق بهذا المبلغ، أو بنصفه؟ وكذلك فقراء المسلمين في كل أنحاء المعمورة؟! وهل ستحركك إنسانيتك لتعوض أهالي ضحايا الطائرة اللبنانية، وضحايا زلزال إيران... و....و.....؟
ومن قبل كان «الأخ العقيد يمول ما سمي «حركات التحرر» في العالم مثل «الجيش الإيرلندي»، وبعض الحركات في أمريكا اللاتينية، وتمويل حركة قرنق في السودان، وتمويل أعمال إرهابية ضد مصر والسعودية والسودان . ويقال - والعهدة علي الراوي - إنه من سنوات استقدم واحدًا من أشهر بلطجيات شيكاغو، وقيل للعقيد إنه صاحب شعبية هائلة، وإن معاه آلاف من (العيال المخلّصة اللي يقرقشوا الزلط)، ومنحه عشرين مليون دولار لإسقاط الرئيس الأمريكي في الانتخاب الأول . ونجح الرئيس الأمريكي وظهر أن «الفتوة» الأمريكاني مضروب، وأنه «لسع» المبلغ دون أن يفعل شيئًا، ولا حتي إلقاء كرسي في «الكلوب»، وظهر أن هذا الدعيّ لا قيمة له في بلده، وأنه يعمل في بلده «حرامي غسيل»..
وأقول: رحم اللّه أبا العلاء المعري، فلو كن حيًا لغيّر بيته المشهور، وجعله في
الصيغة الآتية:
والذي حارت البرية فيه آدميّ يدٍعونَهُ «القذافي» ومازال لحديثنا صلة، وربما صلات،
ولكني أقول في نهاية هذا المقال الأول: سينجح الأمريكان في تدمير أسلحة الدمار
الشامل والبرامج النووية في ليبيا، ولكن سيبقي لليبيا سلاح تدمير شامل لن يدمره
الأمريكان، بل سيحافظون عليه، ويحمونه لأنه موجه لضرب الشعب الليبي، وهو سلاح اسمه
(M.K)
أي معمر القذافي.
لقد انتهت النكتة التي صدّرت بها مطلع هذا المقال . وعلقت عليها قائلا: لو أن السائل سأل هذا الجهاز أن يرسم له أبعاد شخصية القذافي ، ويفسر تصرفاته . وسلوكياته " لفجرّ الجهاز نفسه ، ونسف المبنى كله بمن فيه وما فيه .
إلى أي النوعين يُنسْب ؟!
ونحن جميعا عاجزون عن إجابة هذا السؤال ، وأداء هذه المهمة .. وليذكر القارئ هذه الكلمات والذي حارت البريةُ فيه .. آدميُّ يدْعونه القذافي ولكننا في السطور التالية نحاول الاقتراب ـ مجرد الاقتراب ـ من هذه الشخصية الغريبة ، وإلقاء بعض الضوء على " جوّانية " : معمر محمد عبد السلام أبو مِنْيار ( الذي غير اسمه عند التحاقه بالكلية الحربية إلى معمر القذافي ) ، وسنرى أن " برانيته "بمظاهرها المتعددة ستقودنا ـ دون تعسف ـ إلى اكتشاف بعض زوايا هذه الجوانية ، أقول : بعض لا كل .
كتب : ج . م . جراهام في كتابة " الشخصية " . " والفرد الذي ينظر إلى الحياة نظرة واقعية ، تكون له عين بصيرة ، وخطوة ثابتة ، وقبضة قوية . وهو شجاع واثق بنفسه ، وهو لا يتخذ الحيل ليتجنب مسئولياته . وهو يحقق لنفسه تنظيما ذاتيا ، ويملك أفضل لون من ألوان الشخصية .
أما الفرد الذي لا ينظر إلى الحياة نظرة واقعية فهو دائم التنقل في أعماله ،وهو ضحية لتعرضه للإصابة بأمراض نفسية ، وهمه في الحياة هو الفرار منها . وهو يتقن ـ بمضي الأيام ـ كيف يتجنب اختيار فائدته ، فهو يعلم أن همه الوحيد لا أن يتعاون مع رفاقه ، بل أن يحصل منهم على أقصى ما يمكن الحصول عليه .... والناس يلجئون إلى أحلام اليقظة حين يضيقون بقدرتهم المحدودة ، فيشغلون بإطلاق العنان لإرادة القوة "
فالشخصية السوية ـ كما يرى جراهام - وغيره كثيرون ـ هي الشخصية التي تعايش الواقع : واقعها المعنوي : من قدرات عقلية ونفسية وروحية دون إسراف وشطط ، وطبعا هذه المعايشة لا تمنع التطور والطموح . وواقعها الخارجي في نطاق المجتمع الخاص المتمثل في الأسرة ، والمجتمع العام المتمثل في الوطن ، والمجتمع الأعم المتمثل في العالم ، أو " دول التعامل " خارج الوطن .
وهذا التعامل الذي يعتمد على " واقعية المعايشة " بوجهيها يقتضي أن يملك الفرد آليات هذه التعامل حتى يحقق النجاح ، وخصوصا إذا كان في " موقع قيادي " وذلك بأن يكون قوي البصيرة والإرادة والحسْم ،، شجاعا ، ثابت الخطو ، مؤمنا بنبل الغاية والوسيلة ، قوي التمييز ، منتظم السمات المعنوية .
وعلى العكس من ذلك نجد الشخصية الشاذة " ينفصل صاحبها عن الواقع الحقيقي ، لائذا بأحلام اليقظة ، وقصور الوهم ، منهوم الأنانية وعبادة الذات ، يفر من قدراته المحدودة العاجزة عن مجابهة الواقع بقوة وصراحة ، وإلى بناء " يوتوبيا " أي مدينة فاضلة يتملكها ، وينفرد سلطانا على عرشها ، وهو بطبيعته " ملول " يستلذ التغيير في المواقع والمظاهر والمبادئ . لأنه لا يملك قدرة الثبات .
ويستطيع القارئ بسهولة أن ينسب القذافي ( واسمه الأصلي معمر محمد عبد السلام أبو منيار ) إلى النوع الثاني من الشخصية إذا ما استصحب معه " عدداً " من تصرفاته وسلوكياته .
أنها النرجسية .. بلوازمها ..
وما عرضناه آنفا من أبعاد الشخصية السوية ، والشخصية الشاذة هو أدخل في التوصيف العام الذي لا يغني عن التخصيص الحاسم بناء على استقرار المسيرة القذافية ، بما فيها من سلوكيات وتصرفات ، ومظاهر ، ومظاهرات ، وخطب ، و" مؤلفات " ( !!! ) ويعلم الله أنني ما رأيت من زعماء العرب من تتحكم فيه آفة " النرجسية " بالقدر الذي أصاب " الأخ العقيد " . والنرجسية " NARCISSISM : تعني حالة الشخص المستغرق في حب ذاته والإعجاب بها بإسراف شديد . وهذا الاصطلاح منسوب إلى فتى أسطوري اسمه ( نارسيسوس ) . وكان ـ كما تحكي الأسطورة ـ فارق الجمال ، رأي وجهه ـ لأول مرة ـ على صفحة الماء ، فعشق ذاته ، وأخذ يتملى صورته إلى أن ذوي ومات. وذهبت عرائس الماء تطلب رفاته ، فلم تجد غير " نرجسة " مطرقة ترنو إلى الماء ، فقد تحول جسده إلى زهرة النرجس .
ومن أهم لوازم هذه الآفة : لازمة العرْض ، ولازمة التوثين الذاتي ، وكلاهما في حاجة إلى وقفه :
لازمة العرض الفاضح
ولازمة العرض EXHIBITIONISM تعني ـ كما يقول العقاد " الإظهار بكل درجاته للفت النظر ، وقد ينتهي بها التناقض أحيانا إلى إعلان التقوى والظهر بين الناس بالأزياء الغربية ،والألوان الصارخة ، والحرص على الاشتهار بالمخالفة .
وأعتقد أن الأزمة العرض النرجسي تصدق تماما على القذافي ، ولنبدأ بالملبس : ... تأملوا رأس القذافي : إنه يرفعه عن عنقه إلى الخلف بحيث تصنع ذقنه مع صدره زاوية لا تقل عن 120 درجة ، مع الميل بالرأس إلى اليمين غالباَ . ونظاراته من أغلى الأنواع وأفخمها فمنها النظارة الشمسية ذات اللون الواحد . ومنها المشبحة ومنها النظارة المرآة التي لا تظهر العينين ، ولكن تظهر المنظر الخارجي مصغراً جداً . أما غطاء الرأس فمرة " لبدة " كلبدة بعض الصعايدة ، ومرة طاقية كالسلطانية ، ومرة قبعة كقبعات " الكاوبوي " ، ومرة قبعة على شكل قارب ، ومرة عمامة كبيرة ، ومرة عمامة أكبر تنسدل على الكتفين وجزء من الظهر ، ومرة عمامة كعمامة الطوارق تغطي النصف الأسفل من الوجه ، ومرة عاري الرأس.
ولنترك الرأس والشعر الذي زرع فيه ( يقل إنه كلفه ثلاثين ألف دولار ) . ولننظر إلى ملبس الجسم فمرة يرتدي حلة افرنجية كاملة ، ومرة قميصا مشجرا على بنطلون ، ومرة حلة عسكرية تحليها النياشين ، أما أثوابه الفضفاضة جدا ، وما عليها من شيلان أو عباءات أو ما يشبه العباءات ، فإني أعلن عجزي عن إحصاء أشكالها وهيئاتها وألوانها ، ولكني أنبه إلى أن الثوب الواحد بما فيه من " ثنيات " ولفات أو تلافيف ـ يمكن أن يصنع " خيمة " تؤوي خمسة أشخاص .
وحدّث عن الألوان بلا حرج ، فالأخ العقيد معمر محمد عبد السلام أبو منيار ( الشهير بمعمر القذافي ) استخدم في أثوابه مائه لون ـ على الأقل ، فأساسها ألوان الطيف السبعة ، ثم بعد ذلك ما يسمى " بالألوان المزجية " . فمثلا مزج الأبيض بالأسود ينتج اللون الرمادي ، والرمادي درجات : فهناك الرمادي الغامق ، والرمادي الفاتح .. تبعا لنسبة الألوان المتمازجة ، كما أنه يميل إلى الألوان الصارخة ، والألوان اللمَّعية التي تشد النظر ، حرصا على الاستجابة لآفة " العرض النرجسي " . وأذكر اننى ما رأيت القذافي على شاشة التلفاز إلا مغيرا زيه خلال " اليوم الواحد " بعدد مرات الظهور .
والقذافي في هذا المجال يذكرني بالأمير " خمارويه بن أحمد بن طولونه " الذي حكم مصر ( من 270-282 ) . يقول عنه ابن عساكر " كانت حياته سرفا ونزقا .. وكان لا يلبس الرداء إلا مرة واحدة ، وإذا ركب الحصان مرة لا يعود إلى ركوبة مرة أخرى .. الخ
وأعتقد أن " آدلر " كان على حق حين قال : أخبرْني ماذا تقرأ أخبرك من أنت ، وأرني ماذا ترتدي أخبرك من أنت وما أنت " . ولا ينكر عاقل دلالة الملابس على شخصية مرتديها ذوقا وعاطفة وفكرا ومعتقداً . وقد رأينا الأخ العقيد في مسيرته الطويلة يغير آراءه ومواقفه بالسهولة التي يغير بها ملابسه.