السلاح البريء والأيدي الأثيمة وفجائع الأفراح
السلاح البريء والأيدي الأثيمة
وفجائع الأفراح
صالح أحمد البوريني
عضو رابطة الأدب الإسلامي
إنها لعبة الموت ، إنه فرح المأساة ومأساة الفرح ، تلكم هي ظاهرة إطلاق النار في الأفراح ، ظاهرة ترسم لنا صورة الحزن حين يختلط بالفرح فيكون المزيج حسرات وحسرات ، وآلاما وجراحا تحفرها حادثات الليالي في جدار ذكرياتـنا نقوشا من الفجائع والمصائب والدموع ، حين تقبض اليد على السلاح ، وتضغط الأصابع على الزناد وينحرف مسار الرصاص فتسقط القامات وسط حلقات الدبكة وتفيض أرواح الأطفال البريئة في أحضان الأمهات ، أو تسبح الرصاصات في سماء هادئة وادعة فتحلق في الفضاء ثم ترتد إلى الأرض بسرعة هائلة وتهوي على رأس طفل بريئ أو تـنغرس في كتف رجل يجلس بين أهل بيته آمنا مطمئنا .. تلك لحظة من التاريخ مشهودة ، وصورة على صفحة الذاكرة محفورة بالدم ، منقوشة بحروف النار .. في تلك اللحظة العجيبة تسدل ستارة البهجة على مسرح العرس البهيج لتضع خاتمة مفاجئة تفرضها حرارة الطلقات النارية .. خاتمة أليمة يكتب حروفها الرصاص .. وتخط أسطرها الأصابع التي تلاعب السلاح .. حين يطغى جنون الرصاص في لذة مداعبة الأيدي للسلاح ومعاقرة الأصابع للزناد .. تبدأ الألوان رحلة التمازج .. يتحول الأبيض إلى رمادي تحت هاجس الخوف ، ثم إلى أسود حين يختلط بدم الفجيعة .. البسمة التي تشرق على الوجوه ، وتتهلل بها الهامات ، تأخذ في رحلة التحول ، إنها لحظة اختـناق سريعة ، ولكن تـنطوي عبرها مأساة عمر طويل ، حين تـتراخى عضلات الوجه الضاحك وتـتخذ فجأة اتجاها معاكسا ، إنها لحظات الشعور بنقلة الحدث وانقلاب الموقف ، وتحول كل شيء ، إنها اللحظة العجيبة ، والدرس الغريب السريع الفظيع ، لحظة انقلاب الفرح إلى ترح ، وتحـول البهجة إلى مأساة ، لحظة وقوف المنايا على أبواب مناسبات الأفراح والاحتـفالات .. لماذا أيها السلاح اليدوي الجميل .. لماذا لم تكن جميلا في يد البطل الأرعن .. وسط الزغـاريد والأهازيج التي طغى صوت طلقاتك على أنغامها ؟ أشهد أيها السلاح أنك معلم عبقري وخطيب بليغ ، كثيرا ما أعجبني خطابك في المعركة ، وكنت أطرب لحديث طلقاتك في ميادين الصيد .. ولكنك تلقي علينا في ليالي الأفراح خطبا بتراء ومحاضرات عنيفة .. إنك قاسي الملامح مرعب الوجه بشع القسمات .. أيها السلاح اليدوي الخفيف .. لماذا تحولت خفتك إلى قسوة تخطف الأرواح وتسفك الدماء ؟؟ لماذا تحولت نعومتك وبريقك إلى خشونة وقـتـامة وحرارتك إلى نار تحرق قلوب الأمهات والأطفال وتحول الأفراح إلى مآتم ؟؟ أيها السلاح الصديق لماذا قتلت إخوتي ؟؟! أنسيت صداقتي لك وحرصي عليك واعتنائي بك وإعجابي بك ؟ أيقتل الصديق أهل صديقه ؟ أيها السلاح الخفيف والخل اللطيف كيف نفثت سمـك في دماء إخوتي وأخواتي ؟ أيها الحارس المعوان ، إنما يخبئك الرجال العقلاء للملمات والليالي الحالكات ، فإذا حملتك أيدي الأغرار ، لعبت بك لعبة الموت وأضرمت في بهجة الأفراح النار . لا أشك في براءتك .. أيها السلاح الجميل في أيـدي الرجال .. كم أنت قبيح في حوزة العابثين !
أما أنت أيتها القبضة الغاشمة المتباهية بحمل السلاح في مناسبات الأفراح ، أراك وجها جامدا ، وملامح محنطة مات فيها الشعور والإحساس ، وأراك تختالين كبرا وعجبا وغرورا ، تطل علينا من عيونك سخرية متوحشة ، أصابعك ليس فيها حنان العروق التي يتدفق فيها دم الحياة ، أيتها القبضة الأثيمة ، كم أنت رعناء ! كم أنت عمياء !