الإسلام .. والحرية

محمد السيد

[email protected]

قال تعالى : " قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ، ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ " الأنعام 104

أطبق العمى على معظم الحركة في هذا العصر ؛ تنافس قاتل ، واستهلاك مظلم فتاك ، وطغيان قوة مدمر ، وأخلاق مهدورة ، وتعاليم سماوية مهجورة : (( يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً )) . وعدل ضاعت معالمه في طيات ادعاءات زائفة تطلقها أفواه غربية موبوءة بالخداع : (( وما تخفي صدروهم أعظم )) ، ((يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك )) . وعولمة متغولة  ، تبحث عن الفرائس في كل اتجاه ، لتوقع بها في شباك غواية الذل والتبعية ، المتزينتين بزخارف صندوق الاقتراع و " بروباغندا "  الديمقراطية ومآتم حقوق الإنسان ، التي فتحت بيوتها الأبواب في " غوانتانامو " ، و" أبو غريب " ، وسجون الموصل والبصرة ، وكل سجون عالم الغرب الأوروبي والأمريكي ، التي تضيع فيها حقوق الإنسان المسلم تحت دعايات ومفتريات ( الحرب على الإرهاب ) ، إذ تحاول عبثاً التغطية على الهدف الحقيقي ، المتمثل بالحرب على الإسلام .. ومتهجة إلى فرض دولة الصهاينة كياناً نمطياً متفوقاً ، ترتمي في أحضانه كل النفوس المهزومة المأزومة المتخاذلة : (( أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً )) ... حصراً حصراً .. فإنك لن تجد العزة والنهضة والتفوق ، ولن تجد نفسك وأمتك إلا من خلال بصائر الله التي جاءك بها كتاب هذه الأمة الكريم وسنة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم : (( قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ، ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ )) . وإنك لن تعرف الحرية إلا إذا عرفت أن هجرة أطهر مهاجر مع أعظم صاحب صِدِّيق كانت هجراً للطغيان باتجاه الحرية .. مقرونة بالجهاد الأبدي لتحرير الإنسان من كل معوقات الحرية سواء كانت هذه المعوقات حاكماً ظالماً أم كانت نفساً أمارة أم دنيا غرورة .. أو غير ذلك من المعوقات .  

فهذه هي الحرية في ديننا العظيم .. إنها بصائر معروضة عليك أيها الإنسان ، تخدم حياتك الدنيا بحرية لا تلزمك أبداً بشيء إلا إذا اقتنعت به ... وهي ترغب لك أن تكون مبصراً بصيراً حين تختار ، حين تقف مع حريتك وجهاً لوجه ، فهي تبين لك ؛ توضح تشرح ، تضعك أمام الواقع والمآل ، فتبصر خطين متوازيين لا يلتقيان لا في الدنيا ، ولا في الآخرة .. إنهما البصائر والعمى ، فأما البصائر فهي منيرة مستنيرة بصيرة مهتدية بهدي الذي خلق الإنسان وكرمه وفضله على كثير من خلقه ، وجعله الوحيد من بين خلقه المفكر الناطق ، المختار ذا الإرادة التي تحلل وتركب ، وتنتج الرأي والاتجاه . و أما العمى فهو الظلمة والظلم وخذلان النفس ، وسيرها متخبطة بلا مؤشر ولا دليل ولا معرفة حقة تجيب على أسئلة الإنسان الساخنة الصعبة ، لذا فهو يتركك حين تختاره متنكراً لذاتك ، تائهاً في حلكة من ضياع مع كونك غزوت القمر وصعدت إلى الفضاء ، وأوجدت المخترعات التقنية المريحة .. إنه العمى .. يدع الإنسان حيراناً ، يقتل أخاه باسم الحرية ، يذبح القيم باسم حق الإنسان ، يقتل الرجولة باسم الاختيار الشاذ ، يهتك الأنوثة باسم حرية المرأة ، يذبح الطفولة في أحضان الشواذ ، ومع كل ذلك فهو يهتف بملء أفواه الضائعين التائهين الأصليين في الضياع والتابعين الذين باعوا دينهم وقيمهم بدنيا غيرهم فهم سفلة السافلة .. كما عرفهم ابن القيم رحمه الله .. إنه يهتف : إن هذا هو التقدم ، إن هذا هو التنوير ، إن هذا هو التحديث والحداثة ، إن هذا هو الهوى الذي أريد ، ويريده العصر ..

تُرى .. منذ متى افترقت الحرية عن البصائر .. ؟ تُرى منذ متى فتحت دهاليز التقليد الأعمى أبوابها للعمي من أمتنا . ليكونوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى إذا دخلوا جحر ضب لدخلتموه ... " أو كما قال عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة و أتم التسليم : إنه منذ الزمن الذي افترقت فيه رياحين الآيات في قلوب الملأ عن واقع الحياة وسلوك اليوم والغد . كان العمى والتقليد والتبعية ، وكانت هذه المآسي التي تعيشها أمتنا والعالم من حولنا ، يتحكم فينا وفيه أناس أضاعوا بوصلة الإنسان ، فتكاثرت أسراب الجراد في صحراء العصر ، تأكل الأخضر واليابس ، وتبعث اليباب بين قوسين يحتويان الحياة المعاصرة القائلة بلا مبالاة : " الوقت قوة ولا حق ، واللحظة السانحة هوىً مطاع ، وشحٌ في الخير يسود ،وغزو مدمر يهتك ستركل من يظهر أي بادرة ضعف " .

هذه هي حريتهم ؛ تنكر للإنسان ، وحداء للقوة الظالمة ، وتفوهات دعائية زائفة خادعة .. أما حريتنا فهي إنسان مختار لإنسانيته المزملة بهدي ربها ، وتعاليم قرآنها ، العاضة بالنواجذ على القيم ، المتمسكة بالمسؤولية التامة عن نجاة الإنسان من براثن الظلام ، الداعية أبداً إلى أمن الإنسان من خلال إرادة حرة مسؤولة عن الاختيار ، لا تقام في سبيلها الحواجز ، ولا يفرض عليها اختيار تحت الحراب أو تحت ذل الحاجة والافتقار ، أو تحت وقع بث كثيف للضلال ، أو في جو يستغل المآسي والنكبات ليحمل الناس على الاقتناع بضلالات ومفتريات من صنع أبالسة الأرض وشياطين ، الإنس الذين يوظفون كل شيء في الحياة من أجل تمرير مشاريعهم الطامعة الطامحة للاستيلاء على الدنيا ، مع أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول : " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء " أو كما قال صلى الله عليه وسلم .. إن حريتنا هي المنطلقة من بوابة الآية الكريمة العظيمة : (( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )) وهي الحرية الحقة التي ينشدها إنسان العصر وكل عصر .. فإليها لا إلى ادعاءات الحرية والديمقراطية الموبوءة بالأغراض والأهواء ، والممارسات الفظة العنصرية .. يتوجه المبصرون الذين لا تُذهب بصائرهم الرغبات الملحة للحصول على الحرية عن رؤية ما في المشروع الأمريكي من خبائث وسموم يخفيها بصناديق الاقتراع في العراق وغير العراق ..