فَذلكاتٌ انتفاضيّة (10)
فَذلكاتٌ انتفاضيّة (10)
الحلقة الأخيرة
(من وحي انتفاضة الأقصى المبارك ، التي تدخل عامها الخامس)
بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف
(21)
الجهاد والوجه الحقيقي لعدوّنا
إنّه الجهاد!.. الذي حاولوا أن يشطبوه من قاموسنا وقلوبنا وعقولنا .. بعد أن مسحوه من قائمة المصطلحات في مؤتمراتنا الإسلامية، وهيئاتنا الرسمية، التي حوّلتنا إلى أصنامٍ من ثلج، بعد أن أصبح الجهاد (ذروة سنام الإسلام) إرهاباً، وتهمةً، يُعاقَب عليها بالسجن والبطش والإعدام في زمن رعاة (البقر)!..
مَن كان يصدّق، أنّ دم طفلٍ شهيدٍ في فلسطين، سيُشعِل نار الشوق، للاستشهاد والانتصار، في صدور أكثر من ملياري مسلمٍ في الأرض؟!.. يتنادون إلى ما يخشى العدوّ منه ويهابه، ويجعل الرعب يدبّ في أوصاله .. يتنادَوْن إلى الجهاد في سبيل الله، لتحرير فلسطين، والأقصى، وقدس الأقداس، وترابنا ومياهنا الإقليمية ومواقعنا الاستراتيجية .. تحريرها من دنس اليهود .. ومن الجيوش الأميركية المحتلة، وقواعدها العسكرية، المشيّدة على صدورنا وكرامتنا .. ومن نفاق الغرب المجرم، الذي سلّم فلسطين إلى الصهاينة يداً بيد، منذ أكثر من نصف قرن؟!..
مَن كان يصدّق، أنّ مسلماً في (جنوب إفريقية)، يهبّ ويعلن استعداده للجهاد في فلسطين وأفغانستان والعراق؟!.. وأنّ نساء (إندونيسية)، يتبرّعنَ بحُلِيِّهِنَّ لصالح شهداء الانتفاضة المباركة؟!.. وأنّ مسلمي الباكستان والهند وبانغلادش ونيجيريا و .. يعلنون تضامنهم مع مسلمي أفغانستان والعراق، التي يتعرض شعبها لكل أصناف الإبادة والسحق والظلم؟!.. وأنّ شوارع (ألمانية وفرنسة وبريطانية والنمسة .. وكل أوروبة).. تهدر بالأذان والقرآن وآيات الجهاد؟!..
لم يستطع (موشي آرينس) وزير الدفاع الصهيوني الأسبق، أن يُخفيَ مشاعر الخطر، التي يشعر بها اليهود وحلفاؤهم الصليبيون في أوروبة وأميركة، عندما قال عن الانتفاضة الفلسطينية بصريح العبارة:[.. ما حدث يعني انهيار قوّة الردع الإسرائيلية في ذهن الشارع العربي ..]!.. (جريدة السبيل الأردنية الأسبوعية، العدد رقم /355) .. وطبعاً انهيارها في الذهن، سيؤدي إلى انهيارها في الفعل، على أرض الواقع!..فالخوف إذاً هو من أن تدبّ روح الجهاد في نفوس المسلمين!..
كل ما عرضناه، يعلّله ويؤكّده (ييكوف بيري)، الرئيس السابق لـ (الشين بيت) اليهودي الصهيوني، بقوله تعليقاً على (انتفاضة الأقصى) المباركة: [إنّ الانتفاضة الأخيرة، أدّت إلى عزلة الأنظمة الحاكمة التي وقّعت معاهدات سلامٍ معنا، وهذا يقوّض أهم مقوّمات استراتيجيتنا]!.. (جريدة السبيل الأردنية الأسبوعية، العدد رقم /355).. وكذلك يفسّره الدكتور (إيلي ريخس)، المستشرق والباحث في شؤون الحركات الإسلامية، في مركز (دايان) للأبحاث، بقوله لإذاعة الجيش الصهيوني، تعليقاً على اندلاع (انتفاضة الأقصى): [يجب أن نكون معنيّين بأن تكون الأنظمة العربية مُقْنِعة لشعوبها]!.. (جريدة السبيل الأردنية الأسبوعية، العدد رقم /355)، أي أن يُقنعونا بِسلامهم المزعوم، وهرطقتهم، ونفاقهم!..
بعد كلّ ذلك، أليس من حق المجرم واللصّ والمنافق، أن يرتجف خوفاً ورعباً، ويصاب بالدُوار، والصداع، وشحوب الوجه والشفتين واللسان، من الانتفاضة التي كانت جديرةً باسم (انتفاضة الأقصى)؟!.. ومن المقاومة العراقية البطلة، ومقاومة المسلمين الأسطورية في أفغانستان؟!.. أليس من حق (الكونغرس الأميركي) أن يعمل بِطَيشٍ وحماقةٍ، على فضح الدولة العظمى التي يمثّلها، ويمرّغ أنفها في التراب والوحل والطين، بكلّ جبروتها وعنجهيّتها، وأسلحتها النووية والفتّاكة .. عندما يَظهَر الرعبُ والعنصريّة والنفاق والهذيان، على بيانه، بعد مدةٍ وجيزةٍ من اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة، مستنجداً بزعمائنا، لكي يوقفوا زحف طفلٍ فلسطينيٍ مسلمٍ، وهو في طريق عودته من مدرسته؟!.. وأن يصادروا الحجر والمِقلاع من يدي ذلك الطفل الفلسطيني الأشمّ، الذي يهزم جبروت اليهود، كلّ ساعةٍ ودقيقةٍ ولحظة؟!.. أليس من المخيف لعدوّنا أن يرى الجيل، الذي لم يشهد النكبة ولا النكسة ولا الهزيمة .. يهبّ بصدره العاري، وإيمانه، ودمه وحجره ومِقلاعه، متحدّياً كل أشكال القهر والظلم والقمع والعدوان؟!.. وأن يرى بأم عينه اندلاع المقاومة العراقية الباسلة القوية المنظمة بعد ساعاتٍ من احتلال بغداد؟!.. وأن يرى أبناء أضعف بلدٍ إسلاميٍ في أفغانستان، يواجهون أعظم قوّةٍ على وجه الأرض، وهم لا يملكون من السلاح إلا الإيمان بالله، واليقين بأنّ النصر والهزيمة من عند الواحد القهار فحسب، والاطمئنان إلى قضية أنه لا تملك قوّة على وجه الأرض مهما بلغت، أن تغيّر من هذه الحقيقة الربّانية؟!..
( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ) (الأنعام :6 )
لقد صَرَخَتْ فصول الحقيقة صريحةً بوجوه الأفّاكين .. فأميركة التي بَنَتْ تمثال الحرّية، على جماجم المستضعفين وعشرات الملايين من الهنود الحمر وضحايا التمييز العنصري البشع .. تُسفِر عن وجهها الحقيقي الصليبيّ والصهيوني اليهودي!.. وأوروبة التي صنعت ثورات الحرّية، وعلى رأسها الثورة الفرنسية التي هدمت (الباستيل)، ثم أقامت مجدها باحتلال أوطاننا الإسلامية والعربية.. أوروبة هذه، قالت كلمتها المواربة المنافقة، والرعب يلفّها من كل جانب، وهي تسمع منادي (الجهاد) في سبيل الله، يصدح في ربى العراق وأفغانستان، وترى القدس مخضّبةً بدماء التحرير، النازفة من شهدائنا الأطفال والفتيان والشباب والشيوخ والنساء!..
والكيان المصطنع، المصنّع في (حضن) الصليبيّة الغربية.. يرتجف خوفاً من القادم المجهول المعلوم!.. فهل سيُنقذه المُنجِدون القدامى والجدد من لعنة الشرارة التي أطلقها الحاقد (شارون)، ولعنات حجارة فلسطين والقدس والأقصى المبارك، وهدير الشارع المسلم في معظم الدول الإسلامية؟!.. أليس الذي سينجده أصبح بحاجةٍ إلى الإنقاذ من الوحل الأفغانيّ والعراقيّ الذي انزلق إليه، ظانّاً أنه أفلح في جريمته، وبدأ يجهّز أكاليل النصر، تماماً كتلك الأكاليل التي جهّزتها قبله إمبراطوريات سابقة، انهزمت واندثرت في العراق وبلادنا العربية المسلمة وأفغانستان المسلمة، واندحرت تجرّ ذيول الخيبة والانكسار والسقوط المريع؟!..
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) (الأنعام : 44) .
* * *
مِسْكُ الخِتام !..
أيا طفلَ فلسطين المسلم : تلك كانت آهاتي وصرخاتي الإحدى والعشرين ، تماماً بعدد أقطارنا العربية التائهة ، وبعدد جيوشنا المكدّسة ، التي تدفن رؤوسها في رمال الزيف والاستخذاء !..
أيا طفلَ فلسطين المسلم : قاوِم ، واصمد ، ونادِ بالجهاد ، فإنما أنت تنوب عن أمةٍ ، تتكوّن من مليارٍ ونصف المليار إنسانٍ مكبَّلٍ بالنواطير : نواطير أميركة العاتية والغرب الصليبيّ ، ونواطير الدولة المزعومة الصهيونية اليهودية ، ونواطير كل شياطين الأرض !..
أيا طفلَ فلسطين المسلم : لا تتوقف ، فأنت الشرارة ، وأنت الموقد والتنّور ، وأنت النار اللاهبة التي ستحرق الأعداء الأوغاد .. فالحقيقة الربانية تنسلّ دائماً من طيش البطش ، ونورُ الحق يُشرِق من ظلمة الباطل والظلم والجبروت ، فهذه شمسهم قد بدأت بالغروب ، من تل أبيب إلى واشنطن ، وهذه شمسنا بدأت تُشرق ، من القدس إلى بغداد إلى كابول ، والزمن القادم هو زمنك ، وإكليلك ، ونصرك المؤزّر القريب ، فنصرُك قابَ مِقلاعَيْن أو أدنى !.. بإذن الله سبحانه وتعالى ، الذي لا نصر إلا نصره ، ولا تأييد إلا تأييده ، ولا تمكين إلا تمكينه ، ولا عزّ إلا عزّه :
( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (القصص:5)
تـمَّت
* الفَذْلَكَة -كما ورد في المعجم الوسيط- تعني : [مُجْمَلُ ما فُصِّلَ وخُلاصَتُهُ]، وهي [لفظة محدَثة].