ما أكثر العبر وأقل الاعتبار
ما أكثر العبر وأقل الاعتبار
عبد الرحمن الحياني
يغريك الدوري حينما يغرد على أحد الأغصان من شجرة المنزل متباهياً بلونه الرمادي ، المتدرج بين الداكن والفاتح نافشاً ريشه الزاهي أمام رفاقه المصطفين على بقية الغصون من حوله :
أنا الدوري الدوار فخذي يشبع أهل الدار
ولكن سرعان ما تنقلب تك الشقشقة إلى نوع من الصياح المخنوق ، أو إلى لحن مأساوي ، عندما يقع ذاك الدوري في قبضة أحد الأطفال ، بعد أن اصطاده ، و راح يعبث به ، وينتف ريشه ، بل ويفكر بذبحه ليكون وجبة لحم شهية، ربما جمعت قطط الحي والأحياء المجاورة ، فيتحول النشيد إلى نشيج ، يقول فيه العصفور الأسير:
أنا الدوري أيش مني نقطة زيت أحسن مني
فيتخلى العصفور في غضون دقائق عن صلفه وعنجهيته ، ويتحول إلى مسترحم، يستجدي الشفقة ممن أسره..
وكذا يغريك بل يفاجئك بريق المدينة الغربية ، فتحسبها لحماً طرياً سميناً وفيراً .. لكن هذا الظن سرعان ما يتبدد عند أول امتحان تتعرض له ، فيتحول الجوهر إلى غثاء يذهب جفاء ، ويتحول البريق إلى قتامة منفرة ، ويتحول الذهب إلى عصف تذروه الرياح ، وعندها ينطبق عليك المثل القائل : لقد استسمنت ذا ورم ..
فيا عجباً كيف تغدو حياة الغرب نبراساً لبعض أبناء جلدتنا ، يتيهون فخراً بها ، ويدافعون دونها بكل ما يملكون ، وينسون حضارتهم الخالدة ، ينسون ماضياً عريقاً فيه السعادة الخالصة ، والهناءة الوفيرة ..